[صلاح الدين الأيوبي يهزم الصليبيين في معركة (حطين).]
العام الهجري:٥٨٣
الشهر القمري:ربيع الثاني
العام الميلادي:١١٨٧
تفاصيل الحدث:
لما أتت صلاح الدين البشارة بهزيمة الإسبتارية والدواية، وقتل من قتل منهم، وأسر من أسر، عاد عن الكرك إلى العسكر الذي مع ولده الملك الأفضل، فنزل بالأقحوانة بقرب طبرية، وتقدم صلاح الدين حتى قارب الفرنج، فلم ير الفرنج من يمنعهم من القتال، ونزل جريدة إلى طبرية وقاتلهم، ونقب بعض أبراجها، وأخذ المدينة عنوة في ليلة، ولجأ من بها إلى القلعة التي لها، فامتنعوا بها، وفيها صاحبتها، فنهب المدينة وأحرقها، فقوي عزم الروم على التقدم إلى المسلمين وقتالهم، فرحلوا من معسكرهم الذي لزموه، وقربوا من عساكر الإسلام؛ فلما سمع صلاح الدين بذلك عاد عن طبرية إلى عسكره، وكان قريباً منه، وإنما كان قصده بمحاصرة طبرية أن يفارق الفرنج مكانهم لتمكن من قتالهم، وكان المسلمون قد نزلوا على الماء، والزمان قيظ شديد الحر، فوجد الفرنج العطش، ولم يتمكنوا من الوصول إلى ذلك الماء من المسلمين، وكانوا قد أفنوا ما هناك من ماء الصهاريج ولم يتمكنوا من الرجوع خوفاً من المسلمين، فبقوا على حالهم إلى الغد، وهو يوم السبت، وقد أخذ العطش منهم، وأصبح صلاح الدين والمسلمون يوم السبت لخمس بقين من ربيع الآخر، فركبوا وتقدموا إلى الفرنج، فركب الفرنج، ودنا بعضهم من بعض، إلا أن الفرنج قد اشتد بهم العطش وانخذلوا، فاقتتلوا، واشتد القتال، وصبر الفريقان، ورمى جاليشية المسلمين من النشاب ما كان كالجراد المنتشر، فقتلوا من خيول الفرنج كثيراً. والفرنج قد جمعوا نفوسهم براجلهم وهم يقاتلون سائرين نحو طبرية، لعلهم يردون الماء. فلما علم صلاح الدين مقصدهم صدهم عن مرادهم، وكان بعض المتطوعة من المسلمين قد ألقى في تلك الأرض ناراً، وكان الحشيش كثيراً فاحترق، وكانت الريح على الفرنج، فحملت حر النار والدخان إليهم، فاجتمع عليهم العطش وحر الزمان وحر النار، والدخان، وحر القتال، فلما انهزم القمص سقط في أيديهم وكادوا يستسلمون، ثم علموا أنهم لا ينجيهم من الموت إلا الإقدام عليه، فحملوا حملات متداركة كادوا يزيلون بها المسلمين، على كثرتهم، عن مواقفهم لولا لطف الله بهم، إلا أن الفرنج لا يحملون حملة فيرجعون إلا وقد قتل منهم، فوهنوا لذلك وهناً عظيماً، فأحاط بهم المسلمون إحاطة الدائرة بقطرها، فارتفع من بقي من الفرنج إلى تل بناحية حطين، وأرادوا أن ينصبوا خيامهم، ويجموا نفوسهم به، فاشتد القتال عليهم من سائر الجهات، ومنعوهم عما أرادوا، ولم يتمكنوا من نصب خيمة غير خيمة ملكهم، وأخذ المسلمون صليبهم الأعظم الذي يسمونه صليب الصلبوت، ويذكرون أن فيه قطعة من الخشبة التي صلب عليها المسيح، عليه السلام، بزعمهم، فكان أخذه عندهم من أعظم المصائب عليهم، وأيقنوا بعده بالقتل والهلاك، هذا والقتل والأسر يعملان في فرسانهم ورجالتهم، فبقي الملك على التل في مقدار مائة وخمسين فارساً من الفرسان المشهورين والشجعان المذكورين، وكان سبب سقوط الفرنج لما حملوا تلك الحملات ازدادوا عطشاً، وقد كانوا يرجون الخلاص في بعض تلك الحملات مما هم فيه، فلما لم يجدوا إلى الخلاص طريقاً، نزلوا عن دوابهم وجلسوا على الأرض، فصعد المسلمون إليهم، فألقوا خيمة الملك، وأسروهم على بكرة أبيهم، وفيهم الملك وأخوه والبرنس أرناط، صاحب الكرك، ولم يكن للفرنج أشد منه عداوة للمسلمين، وأسروا أيضاً صاحب جبيل، وابن هنفري، ومقدم الداوية، وكان من أعظم الفرنج شأناً، وأسروا أيضاً جماعة من الداوية، وجماعة من الإسبتارية، وكثر القتل والأسر فيهم، فكان من يرى القتلى لا يظن أنهم أسروا واحداً، ومن يرى الأسرى لا يظن أنهم قتلوا أحداً، فلما فرغ المسلمون منهم نزل صلاح الدين في خيمته، وأحضر ملك الفرنج عنده، وبرنس صاحب الكرك، وأجلس الملك إلى جانبه وقد أهلكه العطش، فسقاه ماء مثلوجاً، فشرب، وأعطى فضله برنس صاحب الكرك، فشرب، فقال صلاح الدين: إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني؛ ثم كلم البرنس، وقرعه بذنوبه، وعدد عليه غدراته، وقام إليه بنفسه فضرب رقبته وقال: كنت نذرت دفعتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والثانية لما أخذ القفل غدراً؛ فلما قتله وسحب وأخرج ارتعدت فرائص الملك، فسكن جأشه وأمنه.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً