في يوم الخميس خامس رجب كانت الفتنة بالإسكندرية وملخصها أن بعض تجار الفرنج فاوض رجلاً من المسلمين وضربه بخف على وجهه، فثار المسلمون بالإفرنجي وثار الفرنج لتحميه، فوقع الشر بين الفريقين، واقتتلوا بالسلاح، فركب ركن الدين الكركي متولي الثغر، فإذا الناس قد تعصبوا وأخرجوا السلاح، وشهدوا على الفرنجي، مما يوجب قتله، وحملوه إلى القاضي وغلقت أسواق المدينة وأبوابها، فلما كان بعد عشاء الآخرة فتحت الأبواب ليدخل من كان خارج البلد، فمن شدة الزحام قتل عشرة أنفس، وتلفت أعضاء جماعة، وذهبت عمائم وغيرها لكثير منهم، وتبين للكركي تحامل الناس على الفرنج، فحمل بنفسه وأجناده عليهم ليدفعهم عن الفرنج، فلم يندفعوا وقاتلوه إلى أن هزموه، وقصدوا إخراج الأمراء المعتقلين بالثغر، بعد ما سفكت بينهما دماء كثيرة، فعند ذلك بادر الكركي بمطالعة السلطان بهذه الحادثة، فسرح الطائر بالبطائق يعلم السلطان، فاشتد غضبه، وخشي السلطان خروج الأمراء من السجن، وأخرج السلطان الوزير مغلطاي الجمال وطوغان شاد الدواوين، وسيف الدين ألدمر الركني أمير جندار، في جماعة من المماليك السلطانية، ومعهم ناظر الخاص إلى الإسكندرية، ومعهم تذاكر مما يعمل من تتبع أهل الفساد وقتلهم، ومصادرة قوم بأعيانهم، وتغريم أهل البلد المال، والقبض على أسلحة الغزاة، ومسك القاضي والشهود، وتجهيز الأمراء المسجونين إلى قلعة الجبل؟ فساروا في عاشره، ودخلوا المدينة، وجلس الوزير والناظر بديوان الخمس وفرض الوزير على الناس خمسمائة ألف دينار، وقبض على جماعة من أذلهم ووسطهم، وقطع أيدي بعضهم وأرجلهم، وتطلب ابن رواحة كبير دار الطراز ووسطه، من أجل أنه وشي به أنه كان يغري العامة بالفرنج ويمدهم بالسلاح والنفقة، فحل بالناس من المصادرة بلاء عظيم، وكتب السلطان ترد شيئاً بعد شيء تتضمن الحث على سفك دماء المفسدين وأخذ الأموال، والوزير يجيب بما يصلح أمر الناس، ثم استدعى الوزير بالسلاح المعد للغزاة، فبلغ ستة ألاف عدة، وضعها كلها في حاصل وختم عليها، واستمر نحو العشرين يوماً في سفك دماء وأخذ أموال، حتى جمع ما ينيف على مائتين وستين ألف دينار، وقدم الوزير عماد الدين محمد ابن اسحاق بن محمد البلبيسي قاضي الإسكندرية ليشنق، ثم أخره، وكاتب السلطان بأنه كشف عن أمره فوجد ما نقل عنه غير صحيح، وبعث الوزير المسجونين إلى قلعة الجبل في طائفة معهم لحفظهم، فقدموا في ثامن عشره، وقدم الوزير من الإسكندرية بالمال، وجلس في سلخ رجب بالمال بقاعة الوزارة المستجدة بالقلعة، وقد سكنها، وحفر النظار والمستوفون من خارج الشباك، فنفذ الوزير الأمور، وصرف أحوال الدولة، وفي أول شعبان: قدمت رسل بابا الفرنج من مدينة رومة بهدية، وكتاب فيه الوصية بالنصارى وأنه مهما عمل بهم بمصر والشام عاملوا من عندهم من المسلمين بمثله، فأجيبوا وأعيدوا، ولم تقدم رسل من عند البابا إلى مصر منذ أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً