أواخر جمادى الأولى، سار صلاح الدين يوسف بن أيوب من مصر إلى ساحل الشام لقصد بلاد الفرنج، وجمع معه عساكر كثيرة وجنوداً غزيرة، فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا عسقلان في الرابع والعشرين منه، فنهبوا وأسروا وقتلوا وأحرقوا وتفرقوا في تلك الأعمال مغيرين، فلما رأوا أن الفرنج لم يظهر لهم عسكر ولا اجتمع لهم من يحمي البلاد من المسلمين، طمعوا، وانبسطوا، وساروا في الأرض آمنين مطمئنين، ووصل صلاح الدين إلى الرملة، عازماً على أن يقصد بعض حصونهم ليحصره، فوصل إلى نهر، فازدحم الناس للعبور، فلم يرعهم إلا والفرنج أشرفت عليهم بأبطالها وطلابها، وكان مع صلاح الدين بعض العسكر، لأن أكثرهم تفرقوا في طلب الغنيمة، فلما رآهم وقف لهم فيمن معه، وتقدم بين يديه تقي الدين عمر بن محمد ابن أخي صلاح الدين، فباشر القتال بنفسه بين يدي عمه، فقتل من أصحابه جماعة، وكذلك الفرنج، وتمت الهزيمة على المسلمين، وحمل بعض الفرنج على صلاح الدين فقاربه حتى كاد أن يصل إليه فقتل الفرنجي بين يديه، وتكاثر الفرنج عليه فمضى منهزماً، يسير قليلاً ويقف ليلحقه العسكر إلى أن دخل الليل، فسلك البرية إلى أن مضى في نفر يسير إلى مصر، ولقوا في طريقهم مشقة شديدة وقل عليهم القوت والماء، وهلك كثير من دواب العسكر جوعاً وعطشاً وسرعة سير، وأما العسكر الذين كانوا دخلوا بلاد الفرنج في الغارة، فإن أكثرهم ذهب ما بين قتيل وأسير، ووصل صلاح الدين إلى القاهرة نصف جمادى الآخرة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً