لقد كانت عدن محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي، والحصول على السيطرة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة، فتوالت على عدن الكثير من القوات والدول المستعمرة، وكان من أهم تلك الدول (بريطانيا)، حيث قامت ببعض المقدمات لاحتلال عدن فأرسلت في بداية الأمر الكابتن هينز أحد ضباط البحرية إلى منطقة خليج عدن في عام ١٨٣٥م وذلك لمعرفة مدى صلاحية المنطقة لتكون قاعدة بحرية ومستودعا للسفن البريطانية وقد أشار هينز في تقريره إلى ضرورة احتلال عدن لأهميتها الاستراتيجية. وكان لا بد للإنجليز من سبب يبررون به احتلالهم لعدن، فكان أن وقعت حادثة استغلوها استغلالا كبيرا، ففي عام ١٨٧٣م جنحت سفينة هندية تسمى:(دريادولت) وكانت ترفع العلم البريطاني بالقرب من ساحل عدن فادعى الانجليز أن سكان عدن هاجموا السفينة ونهبوا بعض حمولتها وأن ابن سلطان لحج وعدن كان من المحرضين على نهب السفينة. ثم لما مضى حوالي شهر من حدوث ذلك وزادت كذلك رغبة بريطانيا للسيطرة على البحر الأحمر وجعل عدن كمحطة تعمل على تمويل سفنها بالوقود وجعلها قاعدة عسكرية تهيمن على المنطقة العربية، قام حينها (كوماندر هينز) قائد السفينة (بالينورس) في البحر الأحمر بكتابة تقرير إلى (سيرتشارلز مالكولم) مدير البحرية الهندية في ٦ يوليو١٨٣٧م، قال فيه:(يشرفني أن أعلمكم أنه لدى وجودي في عدن خلال شهر إبريل تبينت أن البضاعة التي تمت استعادتها من السفينة المحطمة (دريادولت) التي تحمل العلم الإنكليزي والعائدة إلى مدارس كانت مطروحة في السوق بأقل من ثلث قيمتها. فأرسلت الحكومة البريطانية الكابتن هينز لإجراء مفاوضات مع سلطان لحج ولكنها باءت بالفشل بعد محاولة سلطان لحج إعادة البضائع المسروقة ودفع قيمة ما تلف أو بيع منها إلا أن هينز لم يوافق لأن بريطانيا كانت تريد عدن نفسها. وفي عام ١٨٣٩م نفسه أعدت حكومة الهند البريطانية عدة إجراءات للاستيلاء على عدن وقامت بعض المناوشات بين العرب في عدن وبعض جنود السفن البريطانية المسلحة التي رابطت بالقرب من ساحل عدن انتظارا لوصول السفن الباقية وبعد ثلاثة أيام في ١٩ يناير ١٨٣٩م قصفت مدفعية الأسطول البريطاني مدينة عدن ولم يستطع الأهالي الصمود أمام النيران الكثيفة وسقطت عدن في أيدي الإنجليز بعد معركة غير متكافئة بين أسطول وقوات الإمبراطورية البريطانية من جانب وقوات قبيلة العبدلي من جانب آخر. وبدأت متاعب الحكم المصري في اليمن بعد سقوط عدن في أيدي البريطانيين فقد بدأ هينز اتصالاته بمشاريع المناطق الجنوبية الواقعة تحث نفوذ المصريين، يغريهم بالهدايا والمرتبات ويحثهم على التمرد على الجيش المصري ولكن الأحوال تطورت بسرعة بعد تحالف الدول الكبرى ضد محمد علي وانتهى الأمر بانسحاب القوات المصرية من اليمن في عام ١٨٤٠م وانفردت بريطانيا وحدها بمقدرات جنوب اليمن كله وبدأت إنجلترا عشية احتلالها لعدن في تنفيذ سياسة التهدئة في المنطقة حتى تضمن استقرار الأمور في عدن بما يحقق مصالحها الاستراتيجية والتجارية والبحرية فعقدت مع سلطان لحج معاهدة للصداقة ومنحته راتبا سنويا إلا أن هذا لم يجد نفعا حيث حاول سلطان لحج استعادة عدن ثلاث مرات في عامي ١٨٤٠و١٨٤١م لكن تلك المحاولات لم تنجح للفارق الهائل في تسليح القوتين. وكان الحاكم البريطاني يثير إذا قامت إحدى القبائل على الإنجليز، يثير قبيلة أخرى عليها. وقد جاء في الكتاب الذي أرسلته شركة الهند الشرقية البريطانية إلى الكابتن هينز المقيم في عدن جاء فيه ما يلي:(حرض القبيلة الموالية على القبيلة المعادية فلا تحتاج إلى قوات بريطانية وإنه وإن كان هدر الدماء مما يؤسف له، فمثل هذه السياسة تفيد الإنجليز في عدن لأنها توسع الثلمة بين القبائل) كما استغل الكابتن هينز اليهود في المنطقة حتى يكونوا عيونا له على العرب علما بأنه كان في عدن ما يقارب من ١٨٠ يهوديا ويعترف هينز بأن أحسن من ينقل الأنباء إليهم هم اليهود لما عرف عنهم وهو قد وظفهم لحسابه وهؤلاء اليهود قد وافوا الكابتن هينز بكل صغيرة وكبيرة في اليمن أكمل ومن ضمنها عدن وقعطبه وتعز ولحج مقابل مبالغ تافهة. ولم يكن الاستيلاء على عدن هو غاية ما تبغيه بريطانيا في المنطقة، وإنما كان هذا الاستيلاء بمثابة نقطة للتوسع وبداية الانطلاق لتأكيد النفوذ البريطاني في جنوب اليمن والبحر الأحمر وعلى الساحل الشرقي الإفريقي وكذلك لإبعاد أي ظل لقوى أخرى.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً