سار عز الدين كيكاوس بن كيخسرو ملك الروم إلى ولاية حلب، قصداً للتغلب عليها، ومعه الأفضل بن صلاح الدين يوسف، حيث كان أشار عليه ذوو الرأي من أصحابه، وقالوا له: لا يتم لك هذا إلا بأن يكون معك أحد من بيت أيوب ليسهل على أهل البلاد وجندها الانقياد إليه؛ وهذا الأفضل بن صلاح الدين هو في طاعتك، فأحضر الأفضل من سميساط إليه، واستقرت القواعد بينهما أن يكون ما يفتحه من حلب وأعمالها للأفضل، وهو في طاعة كيكاوس، والخطبة له في ذلك أجمع، ثم يقصدون ديار الجزيرة، فما يفتحونه مما بيد الملك الأشرف مثل: حران والرها من البلاد الجزرية، تكون لكيكاوس، وجرت الأيمان على ذلك، وجمعوا العساكر وساروا، فملكوا قلعة رغبان، فتسلمها الأفضل، فمال الناس حينئذ إليهما، ثم سارا إلى قلعة تل باشر، وفيها صاحبها ولد بدر الدين دلدرم الياروقي، فحصروه، وضيقوا عليه، وملكوها منه، فأخذها كيكاوس لنفسه، ولم يسلمها إلى الأفضل، فاستشعر الأفضل من ذلك، وقال: هذا أول الغدر؛ وخاف أنه إن ملك حلب يفعل به هكذا، فلا يحصل إلا أن يكون قد قلع بيته لغيره، ففترت نيته، وأعرض عما كان يفعله؛ وكذلك أيضاً أهل البلاد، وأما صاحب حلب فلما حدث هذا الأمر خاف أن يحصروه، وربما سلم أهل البلد والجند المدينة إلى الأفضل لميلهم إليه، فأرسل إلى الملك الأشرف ابن الملك العادل، صاحب الديار الجزرية وخلاط وغيرها، يستدعيه إليه لتكون طاعتهم له، ويخطبون له، ويجعل السكة باسمه، ويأخذ من أعمال حلب ما اختار، فجمع عسكره وأحضر إليه العرب من طيء وغيرهم، ونزل بظاهر حلب، ولما أخذ كيكاوس تل باشر كان الأفضل يشير بمعاجلة حلب قبل اجتماع العساكر بها، وقبل أن يحتاطوا ويتجهزوا، فعاد عن ذلك، وصار يقول: الرأي أننا نقصد منبج وغيرها لئلا يبقى لهم وراء ظهورنا شيء، قصداً للتمادي فتوجهوا من تل باشر إلى جهة منبج، وتقدم الأشرف نحوهم، وسارت العرب في مقدمته؛ وكان طائفة من عسكر كيكاوس، نحو ألف فارس، قد سبقت مقدمته له، فالتقوا هم والعرب ومن معهم من العسكر الأشرفي، فاقتتلوا، فانهزم عسكر كيكاوس، وعادوا إليه منهزمين، وأكثر العرب الأسر منهم والنهب لجودة خيلهم ودبر خيل الروم، فلما وصل إليه أصحابه منهزمين لم يثبت، بل ولى على أعقابه يطوي المراحل إلى بلاده خائفاً يترقب، فلما وصل إلى أطرافها أقام، فسار حينئذ الأشرف، فملك رغبان، وحصر تل باشر، وبها جمع من عسكر كيكاوس، فقاتلوه حتى غلبوا، فأخذت القلعة منهم، وأطلقهم الأشرف، وسلم الأشرف تل باشر وغيرها من بلد حلب إلى شهاب الدين أتابك، صاحب حلب، وكان عازماً على اتباع كيكاوس، ودخول بلاده، فأتاه الخبر بوفاة أبيه الملك العادل، فاقتضت المصلحة العود إلى حلب.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً