استطاع البويهيون أن يتحكموا في الخليفة، ويسيطروا على الدولة، ويديرونها بأنفسهم، ففي أيام معز الدولة جردوا الخليفة من اختصاصاته، فلم يبقَ له وزير وإن كان له كاتب يدير أملاكه فحسب، وصارت الوزارة لمعز الدولة يستوزر لنفسه من يريد وكان من أهم أسباب ضعف الخلافة وغروب شمسها، أن البويهيين (الديلم) كانوا من المغالين في التشيع، وهم يعتقدون أن العباسيين قد أخذوا الخلافة واغتصبوها من مستحقيها، لذلك تمردوا على الخليفة، والخلافة بصفة عامة، ولم يطيعوها ولم يقدروها قدرها. وتطلع بنو بويه إلى السيطرة على العراق نفسها -مقر الخلافة- إن أصلهم يرجع فيما يقال إلى ملوك ساسان الفارسيين الذين شُرِّدوا، فاتخذوا من إقليم الديلم الواقع في المنطقة الجبلية جنوبى بحر قزوين ملجأ لهم ومقرّا. وتزعَّم أبو شجاع بويه قبائلَ البويهيين سنة (٣٢٢ - ٣٢٩هـ) والذى ينتهي نسبه إلى الملك الفارسي يزد جرد وقد أنجب ثلاثة من الذكور، هم: عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة أبو على الحسن، ومعز الدولة أبو الحسين أحمد. وكانت بداية الدولة البويهية باستيلاء عماد الدولة أبى الحسن علىِّ بن بويه على أرجان وغيرها، وقد دخل عماد الدولة شيراز سنة ٣٢٢هـ، وجعلها عاصمة لدولته الجديدة، كما دخل فارس، وأرسل إلى الخليفة الراضي أنه على الطاعة. واستولى معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه سنة ٣٢٦هـ على الأهواز، (وهى الآن خوزستان) وكاتبه بعض قواد الدولة العباسية، وزينوا له التوجه نحو بغداد، وفى سنة ٣٣٤هـ / ٩٤٦م، اتجه أحمد بن بويه نحو بغداد بقوة حربية، فلم تستطع حاميتها التركية مقاومته، وفرت إلى الموصل، ودخل بغداد فافتتحها في سهولة ويسر. ولقب الخليفة المستكفي أبا الحسن أحمد بن بويه بمعز الدولة، ولقّب أخاه عليّا عماد الدولة، ولَقب أخاه الحسن ركن الدولة، وأمر أن تكتب ألقابهم على الدراهم والدنانير، ولكن أحمد بن بويه لم يكتف بهذا اللقب الذي لا يزيد على كونه أمير الأمراء. وأصر على ذكر اسمه مع اسم الخليفة في خطبة الجمعة، وأن يُسَكّ اسمه على العملة مع الخليفة، ولقد بلغ معز الدولة مكانة عالية؛ فكان الحاكم الفعلي في بغداد مع إبقائه على الخليفة، غير أنه ما لبث أن قبض عليه، وفقأ عينيه سنة ٣٣٤هـ / ٩٤٦م.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً