في يوم الخميس سابع عشر رمضان قدم يوسف الكيمياوي إلى مصر، وكان من خبر هذا الرجل أنه كان نصرانياً من أهل الكرك فأسلم، ومضى إلى دمشق بعدما خدع بمدينة صفد الأمير بهادر التقوى حتى انخدع له وأتلف عليه مالاً جزيلاً، فلما ظهر له أمره سجنه مدة، ثم أفرج عنه، فاتصل يوسف بالأمير تنكز نائب الشام، وقصد خديعته فلم ينخدع له، وأمر والي دمشق بشنقه، فصاح وقال: أنا جيت للسلطان حتى أملأ خزانته ذهباً وفضة، فلم يجد تنكز بداً من إرساله إلى السلطان، فقيده وأركبه البريد مع بعض ثقاته، وكتب بخبره وحذر منه، فلما اجتمع يوسف بالسلطان مال إلى قوله، وفك قيده، وأنزله عند الأمير بكتمر الساق وأجري عليه الرواتب السنية، وأقام له عدة من الخدم يتولون أمره، وخلع عليه، وأحضر له ما طلب من الحوائج لتدبير الصنعة، حتى تم ما أراده، فحضر يوسف بين يدي السلطان، وقد حضر الفخر ناظر الجيش والتاج إسحاق وابن هلال الدولة والأمير بكتمر الساقي في عدة من الأمراء، والشيخ إبراهيم الصائغ وعدة من الصواغ، فأوقدوا النار على بوطقة قد ملئت بالنحاس والقصدير والفضة حتى ذاب الجميع، فألقي عليه يوسف شيئاً من صنعته، وساقوا بالنار عليها ساعة، ثم أفرغوا ما فيها فإذا سبيكة ذهب كأجود ما يكون، زنتها ألف مثقال فأعجب السلطان ذلك إعجاباً كثيراً، وسر سروراً زائداً، وأنعم على يوسف بهذه الألف مثقال، وخلع عليه خلعة ثانية، وأركبه فرساً مسرجاً ملجماً بكنبوش حرير، وبالغ في إكرامه، ومكنه من جميع أغراضه، فاتصل به خدام السلطان، وقدموا له أشياء كثيرة مستحسنة، فاستخف عقولهم حتى ملكها بكثرة خدعه، فبذلوا له مالاً جزيلاً، ثم سبك يوسف للسلطان سبيكة ثانية من ذهب، فكاد يطير به فرحاً، وصار يستحضره بالليل ويحادثه، فيزيده طمعاً ورغبة فيه، فأذن له أن يركب من الخيول السلطانية ويمضي حيث شاء من القاهرة ومصر، فركب وأقبل على اللهو، وأتاه عدة من الناس يسألونه في أخذ أموالهم، طمعاً في أن يفيدهم الصنعة أو يغنيهم منها، فمرت له أوقات لا يتهيأ لكل أحد مثلها من طيبتها، ثم إنه سأل أن يتوجه إلى الكرك، لإحضار نبات هناك، فأركبه السلطان البريد، وبعث معه الأمير طقطاي مقدم البريدية، بعدما كتب إلى نائب غزة ونائب الكرك بخدمته وقضاء ما يرسم به والقيام بجميع ما يحتاج إليه من ديوان الخاص، فمضى يوسف إلى الكرك وأبطأ خبره، ثم قدم وقد ظهر كذبه للسلطان، فضيق عليه، وحبسه في القاهرة، ثم إنه في عام ٧٣١ هرب من السجن ثم بعد عدة أشهر وجد في أحميم فمثل بين يدي السلطان فسأله عن المال، فقال: عدم مني، فسأله السلطان عن صناعته فقال: كل ما كنت أفعله إنما هو خفة يد فعوقب عقوبة شديدة بالضرب، ثم حمل إلى خزانة شمائل سجن أرباب الجرائم بجوار باب زويلة من القاهرة، فمات ليلة الأحد خامس عشر ذي الحجة، فسمر وهو ميت وطيف به القاهرة على جمل في يوم الأحد.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً