حدثت حرب شديدة بين طغتكين أتابك والفرنج، وسببها أن طغتكين سار إلى طبرية، وقد وصل إليها ابن أخت بغدوين الفرنجي، ملك القدس، فتحاربا واقتتلا، وكان طغتكين في ألفي فارس، وكثير من الرجالة، وكان ابن أخت ملك الفرنج في أربعمائة فارس وألفي رجل، فلما اشتد القتال انهزم المسلمون، فترجل طغتكين، ونادى بالمسلمين، وشجعهم، فعاودوا الحرب، وكسروا الفرنج، وأسروا ابن أخت الملك، وحمل إلى طغتكين، فعرض طغتكين عليه الإسلام، فامتنع منه، وبذل في فداء نفسه ثلاثين ألف دينار، وإطلاق خمسمائة أسير، فلم يقنع طغتكين منه بغير الإسلام، فلما لم يجب قتله بيده، وأرسل إلى الخليفة والسلطان الأسرى، ثم اصطلح طغتكين وبغدوين ملك الفرنج على وضع الحرب أربع سنين، وكان ذلك من لطف الله تعالى بالمسلمين، ولولا هذه الهدنة لكان الفرنج بلغوا من المسلمين، بعد الهزيمة الآتي ذكرها، أمراً عظيماً، ثم في هذه السنة، في شعبان، انهزم أتابك طغتكين من الفرنج، وسبب ذلك أن حصن عرقة، وهو من أعمال طرابلس، كان بيد غلام للقاضي فخر الملك أبي علي بن علي بن عمار، صاحب طرابلس، وهو من الحصون المنيعة، فعصى على مولاه، فضاق به القوت، وانقطعت عنه الميرة، لطول مكث الفرنج في نواحيه، فأرسل إلى أتابك طغتكين، صاحب دمشق، وقال له: أرسل من يتسلم هذا الحصن مني، قد عجزت عن حفظه، ولأن يأخذه المسلمون خير لي دنيا وآخرة من أن يأخذه الفرنج. فبعث إليه طغتكين صاحباً له، اسمه إسرائيل، في ثلاثمائة رجل، فتسلم الحصن، فلما نزل غلام ابن عمار منه رماه إسرائيل، في الأخلاط، بسهم فقتله، وكان قصده بذلك أن لا يطلع أتابك طغتكين على ما خلفه بالقلعة من المال، وأراد طغتكين قصد الحصن للاطلاع عليه، وتقويته بالعساكر، والأقوات، وآلات الحرب، فنزل الغيث والثلج مدة شهرين، ليلاً ونهاراً، فمنعه، فلما زال ذلك سار في أربعة آلاف فارس، ففتح حصوناً للفرنج، منها حصن الأكمة. فلما سمع السرداني الفرنجي بمجيء طغتكين، وهو على حصار طرابلس، توجه في ثلاثمائة فارس، فلما أشرف أوائل أصحابه على عسكر طغتكين انهزموا، وخلوا ثقلهم ورحلهم ودوابهم للفرنج، فغنموا، وقووا به، وزاد في تجملهم، ووصل المسلمون إلى حمص، على أقبح حال من التقطع، ولم يقتل منهم أحد لأنه لم تجر حرب، وقصد السرداني إلى عرقة، فلما نازلها طلب من كان بها الأمان، فأمنهم على نفوسهم، وتسلم الحصن، فلما خرج من فيه قبض على إسرائيل، وقال: لا أطلقه إلا بإطلاق فلان، وهو أسير كان بدمشق من الفرنج، منذ سبع سنين، ففودي به وأطلقا معاً ولما وصل طغتكين إلى دمشق، بعد الهزيمة، أرسل إليه ملك القدس يقول له: لا تظن أنني أنقص الهدنة للذي تم عليك من الهزيمة، فالملوك ينالهم أكثر مما نالك، ثم تعود أمورهم إلى الانتظام والاستقامة، وكان طغتكين خائفاً أن يقصده بعد هذه الكسرة فينال من بلده كل ما أراد.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً