خطب الملك طغرلبك ابنة الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك، وقال: هذا شيء لم تجر العادة بمثله، ثم طلب شيئا كثيرا كهيئة الفرار، من ذلك أنه طلب ما كان لزوجته التي توفيت من الإقطاعات بأرض واسط، وثلثمائة ألف دينار، وأن يقيم الملك طغرلبك ببغداد لا يرحل عنها ولا يوما واحدا، فوقع الاتفاق على بعض ذلك، وأرسل إليها بمائة ألف دينار مع ابنة أخيه داود زوجة الخليفة، وأشياء كثيرة من آنية الذهب والفضة، والنثار والجواري، ومن الجواهر ألفان ومائتي قطعة، من ذلك سبعمائة قطعة من جوهر، وزن القطعة ما بين الثلاث مثاقيل إلى المثقال، وأشياء أخرى، فتمنع الخليفة لفوات بعض الشروط، فغضب عميد الملك الوزير لمخدومه السلطان، وجرت شرور طويلة اقتضت أن أرسل السلطان كتابا يأمر الخليفة بانتزاع ابنة أخيه السيدة أرسلان خاتون، ونقلها من دار الخلافة إلى دار الملك، حتى تنفصل هذه القضية، فعزم الخليفة على الرحيل من بغداد، فانزعج الناس لذلك، وجاء كتاب السلطان إلى رئيس شحنة بغداد برشتق يأمره بعدم المراقبة وكثرة العسف في مقابلة رد أصحابه بالحرمان، ويعزم على نقل الخاتون إلى دار الملكة، وأرسل من يحملها إلى البلد التي هو فيها، كل ذلك غضبا على الخليفة، ووردت الكتب الكثيرة من الملك طغرلبك يشكو من قلة إنصاف الخليفة، وعدم موافقته له، ويذكر ما أسداه إليه من الخير والنعم إلى ملوك الأطراف، وقاضي القضاة الدامغاني، فلما رأى الخليفة ذلك، وأن الملك أرسل إلى نوابه بالاحتياط على أموال الخليفة، كتب إلى الملك يجيبه إلى ما سأل، فلما وصل ذلك إلى الملك فرح فرحا شديدا، وأرسل إلى نوابه أن يطلقوا أملاك الخليفة، واتفقت الكلمة بعد أن كادت تتفرق، فوكل الخليفة في العقد، فوقع العقد بمدينة تبريز بحضرة الملك طغرلبك، وعمل سماطا عظيما، فلما جيء بالموكلة قام لها الملك وقبل الأرض عند رؤيتها، ودعا للخليفة دعاء كثيرا، ثم أوجب العقد على صداق أربعمائة ألف دينار، وذلك في يوم الخميس الثالث عشر من شعبان، ثم بعث ابنة أخيه الخاتون زوجة الخليفة في شوال بتحف كثيرة، وجوهر وذهب كثير، وجواهر عديدة ثمينة، وهدايا عظيمة لأم العروس وأهلها، ولما استقر السلطان ببغداد أرسل وزيره عميد الملك إلى الخليفة يطالبه بنقل ابنته إلى دار المملكة فتمنع الخليفة من ذلك وقال: إنكم إنما سألتم أن يعقد العقد فقط بحصول التشريف والتزمتم لها بعود المطالبة، فتردد الناس في ذلك بين الخليفة والملك، وأرسل الملك زيادة على النقد مائة ألف دينار ومائة وخمسين ألف درهم، وتحفا أخر، وأشياء لطيفة، فلما كان ليلة الاثنين الخامس عشر من صفر (في السنة التالية) زفت السيدة ابنة الخليفة إلى دار المملكة، فضربت لها السرادقات من دجلة إلى دار المملكة، وضربت الدبادب والبوقات عند دخولها إلى الدار.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً