[استيلاء التتار على كثير من البلدان وما صنعوا فيها من الفظائع.]
العام الهجري:٦١٨
العام الميلادي:١٢٢١
تفاصيل الحدث:
بعد ما فعل المغول في سمرقند ما فعلوه ثم إن جنكيزخان أقام هنالك وأرسل السرايا إلى البلدان فأرسل سرية إلى بلاد خراسان وتسميها التتار المغربة، وأرسل أخرى وراء خوارزم شاه، وكانوا عشرين ألفا فساروا وراءه فأدركوه وبينهم وبينه نهر جيحون وهو آمن بسببه، فلم يجدوا سفنا فعملوا لهم أحواضا يحملون عليها الأسلحة ويرسل أحدهم فرسه ويأخذ بذنبها فتجره الفرس بالماء وهو يجر الحوض الذي فيه سلاحه، حتى صاروا كلهم في الجانب الآخر، فلم يشعر بهم خوارزم شاه إلا وقد خالطوه، فهرب منهم إلى نيسابور ثم منها إلى غيرها وهم في أثره لا يمهلونه يجمع لهم فصار كلما أتى بلدا ليجتمع فيه عساكره له يدركونه فيهرب منهم، حتى ركب في بحر طبرستان وسار إلى قلعة في جزيرة فيه فكانت فيها وفاته، وقيل إنه لا يعرف بعد ركوبه في البحر ما كان من أمره بل ذهب فلا يدري أين ذهب، ولا إلى أي مفر هرب، وملكت التتار حواصله فوجدوا في خزانته ما لا يحصى، ثم ساروا إلى مازندران وقلاعها من أمنع القلاع، بحيث أن المسلمين لم يفتحوها إلا في سنة تسعين من أيام سليمان بن عبد الملك، ففتحها هؤلاء في أيسر مدة ونهبوا ما فيها وقتلوا أهاليها كلهم وسبوا وأحرقوا، ثم ترحلوا عنها نحو الري فدخلوها على حين غفلة من أهلها فقتلوهم وسبوا وأسروا، ثم ساروا إلى همذان فملكوها ثم إلى زنجان فقتلوا وسبوا، ثم قصدوا قزوين فنهبوها وقتلوا من أهلها نحوا من أربعين ألفا، ثم تيمموا بلاد أذربيجان فصالحهم ملكها أزبك بن البهلوان على مال حمله إليهم لشغله بما هو فيه من السكر وارتكاب السيئات والانهماك على الشهوات، فتركوه وساروا إلى موقان فقاتلهم الكرج في عشرة آلاف مقاتل فلم يقفوا بين أيديهم طرفة عين حتى انهزمت الكرج فأقبلوا إليهم بحدهم وحديدهم، فكسرتهم التتار وقعة ثانية أقبح هزيمة وأشنعها، وانقضت هذه السنة وهم في بلاد الكرج، فلما رأوا منهم ممانعة ومقاتلة يطول عليهم بها المطال عدلوا إلى غيرهم، وكذلك كانت عادتهم فساروا إلى تبريز فصالحهم أهلها بمال، ثم ساروا إلى مراغة فحصروها ونصبوا عليها المجانيق وتترسوا بالأسارى من المسلمين، وعلى البلد امرأة ففتحوا البلد بعد أيام وقتلوا من أهله خلقا لا يعلم عدتهم إلا الله عزوجل، وغنموا منه شيئا كثيرا، وسبوا وأسروا على عادتهم لعنهم الله لعنة تدخلهم نار جهنم، ثم قصدوا مدينة إربل فضاق المسلمون لذلك ذرعا وقال أهل تلك النواحي هذا أمر عصيب، وكتب الخليفة إلى أهل الموصل والملك الأشرف صاحب الجزيرة يقول: إني قد جهزت عسكرا فكونوا معه لقتال هؤلاء التتار، فأرسل الأشرف يعتذر إلى الخليفة بأنه متوجه نحو أخيه الكامل إلى الديار المصرية بسبب ما قد دهم المسلمين هناك من الفرنج، وأخذهم دمياط الذي قد أشرفوا بأخذهم له على أخذ الديار المصرية قاطبة، وكان أخوه المعظم قد قدم على والي حران يستنجده لأخيهما الكامل ليتحاجزوا الفرنج بدمياط وهو على أهبة المسير إلى الديار المصرية، فكتب الخليفة إلى مظفر الدين صاحب إربل ليكون هو المقدم على العساكر التي يبعثها الخليفة وهي عشرة آلاف مقاتل، فلم يقدم عليه منهم ثمانمائة فارس ثم تفرقوا قبل أن يجتمعوا، ولكن الله سلم بأن صرف همة التتار إلى ناحية همذان فصالحهم أهلها وترك عندهم التتار شحنة، ثم اتفقوا على قتل شحنتهم فرجعوا إليهم فحاصروهم حتى فتحوها قسرا وقتلوا أهلها عن آخرهم، ثم ساروا إلى أذربيجان ففتحوا أردبيل ثم تبريز ثم إلى بيلقان فقتلوا من أهلها خلقا كثيرا وجما غفيرا، وحرقوها وكانوا يفجرون بالنساء ثم يقتلونهن ويشقون بطونهن عن الأجنة ثم عادوا إلى بلاد الكرج وقد استعدت لهم الكرج فاقتتلوا معهم فكسروهم أيضا كسرة فظيعة، ثم فتحوا بلدانا كثيرة يقتلون أهلها ويسبون نساءها ويأسرون من الرجال ما يقاتلون بهم الحصون، يجعلونهم بين أيديهم ترسا يتقون بهم الرمي وغيره، ومن سلم منهم قتلوه بعد انقضاء الحرب، ثم ساروا إلى بلاد اللان والقبجاق فاقتتلوا معهم قتالا عظيما فكسروهم وقصدوا أكبر مدائن القبجاق وهي مدينة سوداق وفيها من الأمتعة والثياب والتجائر شيء كثير جدا، ولجأت القبجاق إلى بلاد الروس وكانوا نصارى فاتفقوا معهم على قتال التتار فالتقوا معهم فكسرتهم التتار كسرة فظيعة جدا، ثم ساروا نحو بلقار في حدود العشرين وستمائة ففرغوا من ذلك كله ورجعوا نحو ملكهم جنكيزخان لعنه الله وإياهم، هذا ما فعلته هذه السرية المغربة، وكان جنكيزخان قد أرسل سرية في هذه السنة إلى كلانة وأخرى إلى فرغانة فملكوها، وجهز جيشا آخر نحو خراسان فحاصروا بلخ فصالحهم أهلها، وكذلك صالحوا مدنا كثيرة أخرى، حتى انتهوا إلى الطالقان فأعجزتهم قلعتها وكانت حصينة فحاصروها ستة أشهر حتى عجزوا فكتبوا إلى جنكيزخان فقدم بنفسه فحاصرها أربعة أشهر أخرى حتى فتحها قهرا، ثم قتل كل من فيها وكل من في البلد بكماله خاصة وعامة، ثم قصدوا مدينة مرو مع جنكيزخان فقد عسكر بظاهرها نحو من مائتي ألف مقاتل من العرب وغيرهم فاقتتلوا معه قتالا عظيما حتى انكسر المسلمون فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم حصروا البلد خمسة أيام واستنزلوا نائبها خديعة ثم غدروا به وبأهل البلد فقتلوهم وغنموهم وسلبوهم وعاقبوهم بأنواع العذاب، حتى إنهم قتلوا في يوم واحد سبعمائة ألف إنسان، ثم ساروا إلى نيسابور ففعلوا فيها ما فعلوا بأهل مرو، ثم إلى طوس فقتلوا وخربوا مشهد علي بن موسى الرضى سلام الله عليه وعلى آبائه، وخربوا تربة الرشيد الخليفة فتركوه خرابا، ثم ساروا إلى غزنة فقاتلهم جلال الدين بن خوارزم شاه فكسرهم ثم عادوا إلى ملكهم جنكيزخان لعنه الله وإياهم، وأرسل جنكيزخان طائفة أخرى إلى مدينة خوارزم فحاصروها حتى فتحوا البلد قهرا فقتلوا من فيها قتلا ذريعا، ونهبوها وسبوا أهلها وأرسلوا الجسر الذي يمنع ماء جيحون منها فغرقت دورها وهلك جميع أهلها ثم عادوا إلى جنكيزخان وهو مخيم على الطالقان فجهز منهم طائفة إلى غزنة فاقتتل معهم جلال الدين بن خوارزم شاه فكسرهم جلال الدين كسرة عظيمة، واستنقذ منهم خلقا من أسارى المسلمين، ثم كتب إلى جنكيزخان يطلب منه أن يبرز بنفسه لقتاله، فقصده جنكيزخان فتواجها وقد تفرق على جلال الدين بعض جيشه ولم يبق بد من القتال، فاقتتلوا ثلاثة أيام لم يعهد قبلها مثلها من قتالهم، ثم ضعفت أصحاب جلال الدين فذهبوا فركبوا بحر الهند فسارت التتار إلى غزنة فأخذوها بلا كلفة ولا ممانعة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً