[خلع الملك الأشرف ملك اليمن وتولي الظاهر يحيى بن الأشرف مكانه.]
العام الهجري:٨٣١
الشهر القمري:جمادى الأولى
العام الميلادي:١٤٢٨
تفاصيل الحدث:
في شهر جمادى الأولى كانت الفتنة الكبيرة بمدينة تعز من بلاد اليمن، وذلك أن الملك المنصور عبد الله بن أحمد، لما توفي في جمادى الأولى السنة الفائتة، أقيم بعده أخوه الملك الأشرف إسماعيل بن أحمد الناصر بن الملك الأشرف إسماعيل بن عباس فتغيرت عليه نيات الجند كافة من أجل وزيره شرف الدين إسماعيل بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر العلوي، نسبة إلى علي بن بولان العكي، فإنه أخر صرف جوامكهم ومرتباتهم، واشتد عليهم، وعنف بهم، فنفرت منه القلوب، وكثرت حساده، لاستبداده على السلطان، وانفراده بالتصرف دونه، وكان يليه في الرتبة الأمير شمس الدين علي بن الحسام، ثم القاضي نور الدين علي المحالبي مشد الاستيفاء، فلما اشتد الأمر على العسكر وكثرت إهانة الوزير لهم، وإطراحه جانبهم، ضاقت عليهم الأحوال حتى كادوا أن يموتوا جوعًا، فاتفق تجهيز خزانة من عدن، وبرز الأمر بتوجه طائفة من العبيد والأتراك لنقلها، فسألوا أن ينفق فيهم أربعة دراهم لكل منهم، يرتفق بها، فامتنع الوزير ابن العلوي من ذلك، وقال: ليمضوا غصبًا إن كان لهم غرض في الخدمة، وحين وصول الخزانة يكون خير، وإلا ففسح الله لهم، فما للدهر بهم حاجة، والسلطان غني عنهم، فهيج هذا القول حفائظهم، وتحالف العبيد والترك على الفتك بالوزير، وإثارة فتنة، فبلغ الخبر السلطان، فأعلم الوزير، فقال: ما يسوءوا شيئاً، بل نشق كل عشرة في موضع، وهم أعجز من ذلك، فلما كان يوم الخميس تاسع جمادى الآخرة هذا: قبيل المغرب، هجم جماعة من العبيد والترك دار العدل بتعز، وافترقوا أربع فرق، فرقة دخلت من باب الدار وفرقة دخلت من باب السر، وفرقة وقفت تحت الدار، وفرقة أخذت بجانب آخر فخرج إليهم الأمير سنقر أمير جندار، فهبروه بالسيوف حتى هلك، وقتلوا معه علي المحالبي مشد المشدين، وعدة رجال، ثم طلعوا إلى الأشرف - وقد اختفى بين نسائه وتزيا بزيهن - فأخذوه ومضوا إلى الوزير ابن العلوي فقال لهم: ما لكم في قتلي فائدة؟ أنا أنفق على العسكر نفقة شهرين فمضوا إلى الأمير شمس الدين علي بن الحسام بن لاجين، فقبضوا عليه، وقد اختفى، وسجنوا الأشرف وأمه وحظيته في طبقة المماليك، ووكلوا به وسجنوا ابن العلوي الوزير وابن الحسام قريباً من الأشرف، ووكلوا بهما، وقد قيدوا الجميع، وصار كبير هذه الفتنة برقوق من جماعة الترك، فصعد هو في جماعة ليخرج الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل بن عباس من ثعبات فامتنع أمير البلد من الفتح ليلاً، وبعث الظاهر إلى برقوق بأن يتمهل إلى الصبح، فنزل برقوق ونادى في البلد بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، والأخذ والعطاء، وأن السلطان هو الملك الظاهر يحيى بن الأشرف، هذا وقد نهب العسكر عند دخولهم دار العدل جميع ما في دار السلطان، وأفحشوا في نهبهم، فسلبوا الحريم ما عليهن، وانتهكوا ما حرم الله، ولم يدعوا في الدار ما قيمته الدرهم الواحد، وأخذوا حتى الحصر، وامتلأت الدار وقت الهجمة بالعبيد والترك والعامة، فلما أصبح يوم الجمعة عاشره: اجتمع بدار العدل الترك والعبيد، وطلبوا بني زياد وبني السنبلي والخدم، وسائر أمراء الدولة والأعيان، فلما تكامل جمعهم، ووقع بينهم الكلام فيمن يقيموه، قال بنو زياد: ما تم غير يحيى، فاطلعوا له هذه الساعة، فقام الأمير زين الدين جياش الكاملي والأمير برقوق، وطلعا إلى ثعبات في جماعة من الخدام والأجناد، فإذا الأبواب مغلقة، وصاحوا بصاحب البلد حتى فتح لهم، ودخلوا إلى القصر، فسلموا على الظاهر يحيى بالسلطنة وسألوه، أن ينزل معهم إلى دار العدل، فقال: حتى يصل العسكر أجمع، ففكوا القيد من رجليه، وطلبوا العسكر بأسرهم، فطلعوا بأجمعهم، وأطلعوا معهم بعشرة جنائب من الاصطبل السلطاني في عدة بغال فتقدم الترك والعبيد وقالوا للظاهر: لا نبايعك حتى تحلف لنا أنه لا يحدث علينا منك سوء بسبب هذه الفعلة، ولا ما سبق قبلها،، فحلف لهم ولجميع العسكر، وهم يعددون عليه الأيمان، ويتوثقون منه، وذلك بحضرة قاضي القضاة موفق الدين علي بن الناشري، ثم حلفوا له على ما يحب ويختار، فلما انقضى الحلف، وتكامل العسكر، ركب ونزل إلى دار العدل في أهبة السلطنة، فدخلها بعد صلاة الجمعة، فكان يوماً مشهوداً، وعندما استقر بالدار أمر بإرسال ابن أخيه الأشرف إسماعيل إلى ثعبات، فطلعوا به، وقيدوه بالقيد الذي كان الظاهر يحيى مقيداً به، وسجنوه بالدار التي كان مسجوناً بها، ثم حمل بعد أيام إلى الدملوه، ومعه أمه وجاريته، وأنعم السلطان الملك الظاهر يحيى على أخيه الملك الأفضل عباس، بما كان له، وخلع عليه، وجعله نائب السلطة كما كان في أول دولة الناصر، وخمدت الفتنة، وكان الذي حرك هذا الأمر بنو زياد، فقام أحمد بن محمد بن زياد الكاملي بأعباء هذه الفتنة، لحنقه على الوزير ابن العلوي، فإنه كان قد مالأ على قتل أخيه جياش، وخذل عن الأخذ بثأره وصار يمتهن بني زياد، ثم ألزم الوزير ابن العلوي وابن الحسام بحمل المال، وعصرا على كعابهما وأصداغهما، وربطا من تحت إبطهما، وعلقا منكسين، وضربا بالشيب والعصا، وهما يوردان المال، فأخذ من ابن العلوي - ما بين نقد وعروض - ثمانون ألف دينار، ومن ابن الحسام مبلغ ثلاثين ألف دينار، وظهر من السلطان نبل وكرم وشهامة ومهابة، بحيث خافه العسكر، بأجمعهم فإن له قوة وشجاعة، حتى أن قوسه يعجز من عندهم من الترك عن جره، وبهذه الكائنة اختل ملك بني رسول.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً