حصر الفرنج مدينة حماة، وسبب ذلك أنه وصل من البحر إلى الساحل الشامي كند كبير من الفرنج من أكبر طواغيتهم، فرأى صلاح الدين بمصر قد عاد منهزماً، فاغتنم خلو البلاد، لأن شمس الدولة بن أيوب كان بدمشق ينوب عن صلاح الدين، وليس عنده كثير من العسكر، وكان أيضاً كثير الانهماك في اللذات مائلاً إلى الراحات، فجمع ذلك الكند الفرنجي من بالشام من الفرنج، وفرق فيهم الأموال، وسار إلى مدينة حماة فحصرها وبها صاحبها شهاب الدين محمد الحارمي خال صلاح الدين، وهو مريض شديد المرض، وكان طائفة من العسكر الصلاحي بالقرب منها، فدخلوا إليها وأعانوا من بها، وقاتل الفرنج على البلد قتالاً شديداً وهجموا بعض الأيام على طرف منه، وكادوا يملكون البلد قهراً وقسراً، فاجتمع أهل البلد مع العسكر إلى تلك الناحية واشتد القتال، وعظم الخطب على الفريقين، واستقل المسلمون وحاموا عن الأنفس والأهل والمال، فأخرجوا الفرنج من البلد إلى ظاهره، ودام القتال ظاهر البلد ليلاً ونهاراً، وقويت نفوس المسلمين حين أخرجوهم من البلد، وطمعوا فيهم وأكثروا فيهم القتل، فرحل الفرنج حينئذ خائبين، وكفى الله المسلمين شرهم، وساروا إلى حارم فحصروها، وكان مقامهم على حماة أربعة أيام، ولما رحل الفرنج عن حماة مات صاحبها شهاب الدين الحارمي.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً