لما سار الجيش الذي قدم من القاهرة في ثاني عشر شعبان، وقدموا دمشق تلقاهم الأمير تنكز، ولم يعبأ تنكز بالأمير أرقطاي مقدم العسكر لما في نفسه منه، ومضوا إلى حلب، فقدموها في رابع عشر رمضان، وأقاموا بها يومين فقدم الأمير قطلوبغا الفخري بعساكر الشام، وقد وصل إلى جعبر ثم ساروا جميعاً يوم عيد الفطر، ومعهم الأمير علاء الدين ألطبغا نائب حلب، وهو مقدم على العسكر جميعاً، حتى نزلوا على الإسكندرونة أول بلاد سيس، وقد تقدمهم الأمير مغلطاي الغزي إليها بشهرين حتى جهز المجانيق والزحافات والجسور الحديد والمراكب وغير ذلك لعبور نهر جهان، فقدم عليهم البريد من دمشق بأن تكفور وعد بتسليم القلاع للسلطان، فلترد المجانيق وجميع آلات الحصار إلى بغراس، وليقم العسكر على مدينة أياس حتى يرد مرسوم السلطان بما يعتمد في أمرهم وكانت التراكمين قد أغاروا على بلاد سيس، ومعهم عسكر ابن فرمان فتركوها أوحش من بطن حمار، فبعث تكفور رسله في البحر إلى دمياط، فلم يأذن السلطان لهم في القدوم عليه، من أجل أنهم لم يعلموا نائب الشام بحضورهم، فعادوا إلى تكفور، فبعث تكفور بهدية إلى تنكز نائب الشام، وسأله منع العسكر من بلاده، وأنه يسلم القلاع التي من وراء نهر جهان جميعاً للسلطان، فكاتب تنكز السلطان بذلك، وبعث أوحد المهمندار إلى الأمير علاء الدين ألطبغا نائب حلب وهو المقدم على العسكر جميعاً بمنع الغارة ورد الآلات إلى بغراس، فردها ألطبغا وركب بالعسكر إلى آياس، فقدمها يوم الاثنين ثاني عشر شوال، وكانت إياس قد تحصنت، فبادر العسكر وزحف عليها بغير أمره فكان يوماً مهولاً، جرح فيه جماعة كثيرة، واستمر الحصار إلى يوم الخميس خامس عشره، وأحضر نائب حلب خمسين نجاراً وعمل زحافتين وستارتين ونادى في الناس بالركوب للزحف، فاشتد القتال حتى وصلت الزحافات والرجال إلى قريب السور، بعدما استشهد جماعة كثيرة، فترجل الأمراء عن الخيول لأخذ السور، وإذا بأوحد المهمندار ورسل تكفور قد وافوا برسالة نائب الشام، فعادوا إلى مخيمهم فبلغهم أوحد المهنمدار أن يكفوا عن الغارة، فلم يوافقوه على ذلك، واستقر الحال على أن تسلموا أياس بعد ثمانية أيام، فلما كان اليوم الثامن أرسل تكفور مفاتيح القلاع، على أن يرد ما سبي ونهب من بلاده، فنودي برد السبي فأحضر كثير منه، وأخرب الجسر الذي نصب على نهر جهان، وتوجه الأمير مغلطاي الغزي فتسلم قلعة كوارة وكانت من أحصن قلاع الأرمن، ولها سور مساحته فدان وثلث وربع فدان، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعاً بالعمل، وأنفق تكفور على عمارته أربعمائة ألف وستين ألف دينار، وتسلم العسكر آياس، وهدم البرج الأطلس في ثمانية أيام، بعدما عمل فيه أربعون حجاراً يومين وليلتين حتى خرج منه حجر واحد، ثم نقب البرج وعلق على الأخشاب، وأضرمت فيه النار، فسقط جميعه، وكان برجاً عظيماً، بلغ ضمانه في كل شهر لتكفور مبلغ ثلاثين ألف دينار حساباً عن كل يوم ألف دينار سوى خراج الأراضي، وكان ببلدة آياس أربعمائة خمارة وستمائة بغي وكان بها في ظاهرها ملاحة تضمن كل سنة بسبعمائة ألف درهم، ولها مائتي وستة عشر بستاناً تغرس فيها أنواع الفواكه، ودور سورها فدانان وثلثا فدان، ثم رحل العسكر عن آياس بعدما، قاموا عليها اثنين وسبعين يوماً، فمر نائب حلب على قلعة نجيمة وقلعة سرفندكار وقد أخربهما مغلطاي الغزي حتى عبر بالعسكر إلى حلب في رابع عشرى ذي الحجة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً