في المحرم من هذه السنة سار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون، وسبب ذلك أن محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي، وعاد عن محاربة القرامطة، واستقصى محمد في طلبهم، فلما بلغ ما أراد عزم على العود إلى العراق، فأتاه كتاب بدر الحمامي غلام ابن طولون، وكتاب فائق، وهما بدمشق، يدعوانه إلى قصد البلاد بالعساكر يساعداه على أخذها فلما عاد إلى بغداد أنهى ذلك إلى المكتفي، فأمره بالعود، وسير معه الجنود، والأموال، ووجه المكتفي دميانة غلام بازمار، وأمره بركوب البحر إلى مصر، ودخول النيل، وقطع المواد عن مصر، ففعل، وضيق عليهم، وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجيوش، في البر، حتى دنا من مصر وكاتب من بها من القواد، وكان أول من خرج إليه بدر الحمامي، وكان رئيسهم، فكسرهم ذلك، وتتابعه المستأمنة من قواد المصريين، وفي بعض الأيام ثارت عصبية، فاقتتلوا فخرج هارون يسكنهم، فرماه بعض المغاربة بمزراق معه فقتله، فلما قتل قام عمه شيبان بالأمر من بعده، وبذل المال للجند، فأطلقوه وقاتلوا معه، فأتتهم كتب بدر يدعوهم إلى الأمان، فأجابوه إلى ذلك، فلما علم محمد بن سليمان الخبر سار إلى مصر، فأرسل إليه شيبان يطلب الأمان، فأجابه، فخرج إليه ليلاً، ولم يعلم به أحد من الجند، فلما أصبحوا قصدوا داره ولم يجدوه، فبقوا حيارى، ولما وصل محمد مصر دخلها واستولى على دور طولون وأموالهم، وأخذهم جميعا وهم بضعة عشر رجلا فقيدهم، وحبسهم واستقصى أموالهم، وكان ذلك في صفر، وكتب بالفتح إلى المكتفي، فأمره بإشخاص آل طولون وأسبابهم من مصر والشام إلى بغداد، ولا يترك منهم أحدا ففعل ذلك، وعاد إلى بغداد، وولى معونة مصر عيسى النوشري، فكانت مدة الدولة الطولونية ٣٨ عاما من حكم أحمد بن طولون.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً