إن قاصد نائب حلب توجه إلى سيس بطلب الحمل، وقد كان تكفور كتب في الأيام الصالحية بأن بلاده خربت، فسومح بنصف الخراج، فلما وصل إليه قاصد نائب حلب جهز الحمل، وحضر كبير دولته ليحلفوه أنه ما بقى أسير من المسلمين في مملكته، كما جرت العادة في كل سنة بتحليفه على ذلك، وكان في أيديهم عدة من المسلمين أسرى، فبيت مع أصحابه قتلهم في الليلة التي تكون خلفه في صبيحتها، فقتل كل أحد أسيره في أول الليل، فما هو إلا أن مضى ثلثا الليل خرجت في الثلث الأخير من تلك الليلة ريح سوادء، معها رعد وبرق أرعب القلوب، وكان من جملة الأسرى عجوز من أهل حلب في أسر المنجنيقي، ذبحها عند المنجنيق، وهي تقول:" اللهم خذ الحق منهم " فقام المنجنيقي يشرب الخمر مع أهله بعد ذبحها، حتى غلبهم السكر وغابوا عن حسهم، فسقطت الشمعة وأحرقت ما حولها، حتى هبت الريح تطاير شرر ما احترق من البيت حتى اشتعل، بما فيه، وتعلقت النيران مما حوله حتى بلغت موضع تكفور، ففر بنفسه، واستمرت النار مدة اثني عشر يوماً، فاحترق أكثر القلعة؛ وتلف المنجنيق كله بالنار، وكان هو حصن سيس، ولم يعمل مثله واحترق المنجنيقي وأولاده الستة وزوجته، واثني عشر رجلاً من أقاربه، وخربت سيس، وهدم سورها ومساكنها، وهلك كثير من أهلها، وعجز تكفور عن بنائها.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً