[انهزام الحملة الصليبية الخامسة التي استولت على دمياط.]
العام الهجري:٦١٨
الشهر القمري:رجب
العام الميلادي:١٢٢١
تفاصيل الحدث:
اشتد القتال بين الفريقين الفرنج والمسلمين براً وبحراً، وقد اجتمع من الفرنج والمسلمين ما لا يعلم عددهم إلا الله، هذا والرسل تتردد من عند الفرنج في طلب الصلح بشروط: منها أخذ القدس وعسقلان وطبرية، وجبلة واللاذقية، وسائر ما فتحه السلطان صلاح الدين من بلاد الساحل، فأجابهم الملوك إلى ذلك، ماخلا الكرك والشوبك، فأبى الفرنج، وقالوا: لا نسلم دمياط حتى تسلموا ذلك كله فرضي الكامل، فامتنع الفرنج، وقالوا: لا بد أن تعطونا خمسمائة ألف دينار، لنعمر بها ما خربتم من أسوار القدس، مع أخذ ما ذكر من البلاد، وأخذ الكرك والشوبك أيضاً، فاضطر المسلمون إلى قتالهم ومصابرتهم، وعبر جماعة من المسلمين في بحر المحلة إلى الأرض التي عليها معسكر الفرنج، وفتحوا مكاناً عظيماً في النيل، وكان الوقت في قوة الزيادة، والفرنج لا معرفة لهم بحال أرض مصر، ولا بأمر النيل، فلم يشعر الفرنج إلا والماء قد غرق أكثر الأرض التي هم عليها، وصار حائلاً بينهم وبين دمياط، وأصبحوا وليس لهم جهة يسلكونها، سوى جهة واحدة ضيقة، فأمر السلطان في الحال بنصب الجسور وعبرت العساكر الإسلامية عليها، وملكت الطريق التي تسلكها الفرنج إلى دمياط، فانحصروا من سائر الجهات، وقدر الله سبحانه بوصول فرقة عظيمة في البحر للفرنج، وحولها عدة حراقات تحميها، وسائرها مشحونة بالميرة والسلاح، وسائر ما يحتاج إليه، فأوقع بها شواني الإسلام، وكانت بينهما حرب، أنزل الله فيها نصره على المسلمين، فظفروا بها وبما معها من الحراقات، ففت ذلك في أعضاد الفرنج، وألقي في قلوبهم الرعب والذلة، بعدما كانوا في غاية الاستظهار والعنت على المسلمين، وعلموا أنهم مأخوذون لا محالة، فأجمعوا أمرهم على مناهضة المسلمين، ظناً منهم أنهم يصلون إلى دمياط، فخربوا خيامهم ومجانيقهم، وعزموا على أن يحطموا حطمة واحدة، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً، لكثرة الوحل والمياه التي قد ركبت الأرض من حولهم، فعجزوا عن الإقامة لقلة الأزواد عندهم، ولاذوا إلى طلب الصلح، وبعثوا يسألون الملك الكامل - وإخوته الأشرف والمعظم - الأمان لأنفسهم، وأنهم يسلمون دمياط بغير عوض، فاقتضى رأي الملك الكامل إجابتهم، هذا وقد ضجرت عساكر المسلمين، وملت من طول الحرب، فإنها مقيمة في محاربة الفرنج ثلاث سنين وأشهراً، وما زال الكامل قائماً في تأمين الفرنج إلى أن وافقه بقية الملوك على أن يبعث الفرنج برهائن من ملوكهم - لا من أمرائهم - إلى أن يسلموا دمياط فطلب الفرنج أن يكون ابن الملك الكامل عندهم رهينة، إلى أن تعود إليهم رهائنهم، فتقرر الأمر على ذلك، وحلف كل من ملوك المسلمين والفرنج، في سابع شهر رجب، وبعث الفرنج بعشرين ملكاً من ملوكهم رهناً، منهم يوحنا صاحب عكا، ونائب البابا، وبعث الملك الكامل إليهم بابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب وله من العمر يومئذ خمس عشرة سنة، ومعه جماعة من خواصه، وعندما قدم ملوك الفرنج جلس لهم الملك الكامل مجلساً عظيماً، ووقف الملوك من إخوته وأهل بيته بين يديه بظاهر البرمون، في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، فهال الفرنج ما شاهدوا من تلك العظمة وبهاء ذلك الناموس، وقدمت قسوس الفرنج ورهبانهم إلى دمياط، ليسلموها إلى المسلمين، فتسلمها المسلمون في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، فلما تسلمها المسلمون قدم في ذلك اليوم من الفرنج نجدة عظيمة، يقال أنها ألف مركب، فعد تأخرهم إلى ما بعد تسليمها من الفرنج صنعاً جميلاً من الله سبحانه، وشاهد المسلمون عندما تسلموا دمياط من تحصين الفرنج لها ما لا يمكن أخذها بقوة البتة، وبعث السلطان بمن كان عنده في الرهن من الفرنج، وقدم الملك الصالح ومن كان معه، وتقررت الهدنة بين الفرنج وبين المسلمين مدة ثماني سنين، على أن كلاً من الفريقين يطلق ما عنده من الأسرى، وحلف السلطان وإخوته، وحلف ملوك الفرنج، على ذلك، وتفرق من كان قد حضر للقتال فكانت مدة استيلاء الفرنج على دمياط سنة واحدة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يوماً، ثم دخل الملك الكامل إلى دمياط بعساكره وأهله، وكان لدخوله مسرة عظيمة وابتهاج زائد، ثم سار الفرنج إلى بلادهم وعاد السلطان إلى قلعة الجبل في يوم الجمعة ثاني عشر شهر ومضان، ودخل الوزير الصاحب صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر في البحر، وأطلق من كان بمصر من الأسرى، وكان فيهم من أسر من الأيام الصلاحية، وأطلق الفرنج من كان في بلادهم من أسرى المسلمين.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً