[الروس يستولون على (خوتين) ونهر (الدانوب) ويشعلون النار في الأسطول العثماني في خليج (جشمة).]
العام الهجري:١١٨٤
الشهر القمري:ربيع الأول
العام الميلادي:١٧٧٠
تفاصيل الحدث:
كانت الدولة الروسية طامحة إلى بولونيا وكان ذلك ضد مصلحة فرنسا فأغرت هذه الدولة تركيا عليها وحرضتها على محاربتها وكان الصدر إذ ذاك محسن زاده محمد باشا فعارض في هذا الأمر أشد المعارضة لعلمه بضعف تركيا إذ ذاك وعدم استعدادها لإعلان حرب كبيرة كهذه فعزله السلطان وعين بدله سلحدار ماهر حمزة باشا فأعلن الحرب على روسيا وقاد باغلقجي محمد أمين باشا جيشاً تركياً وتصدى به لعبور نهر الدانوب وفي أثناء ذلك عبرت روسيا نهر الدنييستر وحاصرت (خوتن) ولكن مولدواني باشا وخان القرم تمكنا من طرد الروس من هناك وفي هذا الحين وشي بالصدر فعزل وقتل وعين مكانه مولدواني علي باشا فتقدم لعبور نهر الدنييستر فنصب عليه حرس من السفن وبينما هو يستعد لمقاتلة الأعداء في أثناء ذلك فاضت مياه النهر فجأة فخاف الجنود أن ينكسر الجسران فمروا بدون نظام وتراكموا على الجسرين فانقلبا في النهر وغرق أكثر من كان عليهما. وكان القائد التركي قد وضع ستة آلاف جندي في الضفة الأخرى فدافعوا عن أنفسهم حتى قتلوا جميعاً. ثم إن هذا القائد أخلى خوتين بعد أن جردها من جميع الذخائر فاستولى عليها الروس. أما الجيوش الروسية التي كانت على حدود آسيا فكانت ظافرة أيضاً فإنها استولت على قبارطاي وكرجستان وجزء كبير من أرمنستان. وكانت روسيا أرسلت رجالها لإثارة اليونانيين والصربيين والجبليين (الجبل الأسود) وغيرهم في الجهات التي يكثر فيها العنصر الأرثوذكسي وبذلك صارت تركيا مغلولة إحدى اليدين عن مقارعة خصيمتها فإنها أرسلت جيوشاً كثيرة لقمع هذه الثورات الداخلية وأبقتها في تلك البلاد لعدم عودة أهلها إلى التمرد. ولما كانت روسيا ليس لها عمارة بالبحر الأسود استقدمت أساطيلها من بحر البلطيك واستعانت بسفن من إنكلترا والفلمنك والبنادقة واستأجرت ضباطاً ورجالاً لها فأقبل هذا الأسطول إلى البحر الأبيض ومر بسواحل مورة وأمد رجال الثورة هناك بالمال والسلاح. فلما رأت فرنسا تغلغل روسيا في البحر الأبيض كرهت ذلك جداً وعرضت على الدولة العثمانية النجدة فقبلتها فحضر أحد مهندسيها واسمه البارون (توت) ليساعد مهندسي الترك على ترميم القلاع وبناء الاستحكامات وعرضت إسبانيا مساعدتها على أن تمنحها امتيازات تجارية فأبى الترك ذلك وظهر عجز الجيش العثماني في تعليماته ونظاماته أمام الجيوش الأوروبية التي كانت قد خطت خطوات واسعة في سبيل النظام العسكري. أما الأسطول الروسي بالبحر الأبيض المتوسط فإن خطره لما استشرى هناك أرسلت إليه الدولة أسطولها تحت قيادة حسين باشا الجزائري ففاز عليه ثم تقدمت سفينته لأسر سفينة الأميرال الروسي الذي كان يعاونه كبار رجال البحر من الإنكليز فأسرع الأميرال بالانتقال إلى سفينة أخرى وأشعل في السفينة التي تركها النار فاحترقت وأصيب القبودان حسين باشا بجروج اقتضت أن ينقل إلى البر ثم إن القائد العام حسام الدين باشا أمر أن تدخل العمارة إلى ميناء جشمه وكانت ميناء ضيقة فنصحه القبودان حسين باشا بأن ذلك لا يجوز وربما أفضى إلى ضياع الأسطول كله فلم يصغ إليه. فلما رأى قواد الأسطول الروسي أن العمارة العثمانية دخلت ذلك الميناء حصروها وصفوا بقية السفن وأمروها بالضرب وساقوا الحراقات للهجوم على السفن العثمانية فوقعت العمارة العثمانية في حالة سيئة فأحرقت جميعها إلا سفينتين كبيرتين وخمس سفن صغيرة. فلما شفي حسين باشا الجزائري من جراحه عاد إلى الآستانة وطلب من الصدر أن يأذن له في فتح جزيرة ليمنوس التي استولى عليها الروس برجال ينتخبهم من الفدائيين فأذن له فانتخب أربعة آلاف رجل فذهب بهم ونزل في سفن مأجورة حتى نزلوا جميعاً بالجزيرة فأوقعوا بالروس حتى أجلوهم عنها. وانتصرت الجيوش العثمانية على الروس أيضاً عند طرابزون وكرجستان. ثم أسندت قيادة السفن لحسين باشا الجزائري لما اشتهر عنه من الحزم والدربة فأخذ الأسطول العثماني وخرج لقتال الأسطول الروسي في البحر الأبيض فاضطره للهرب. أما عساكر روسيا فقد تقدمت بعد أن انتصرت على الجيوش العثمانية في عدة مواقع واستولت على قلاع إسماعيل وكلي وبندر وآق كيرمان. فاضطرت الدولة للجد في حشد الجنود ولكن كانت النمسا وبروسيا أسرع منها في الوساطة فرفضت روسيا هذه الوساطة وطلبت أن تتفق مع الأتراك مباشرة وعرضت مطالب فرفضتها تركيا فرجعت الحرب إلى ما كانت عليه فاستولت روسيا على قلاع ماجين وطولجي وإيساقجي ودخلت جنودها بلاد القرم واستولت على قلاع طومان وكرج وكفه وكرزلوه فهاجر كثير من التتار إلى الأناضول. وفي خلال هذه الحرب كانت روسيا بعثت البرنس دلفوروكي بجيش لفتح بلاد القرم فقابله السلحدار إبراهيم باشا وهزمه فعمد الروس إلى إثارة أهل القرم بأنها إنما تريد أن تساعدهم على استقلالهم عن الأتراك الذين جعلوا أنفسهم سادة عليهم مع أنهم أعرق منهم في السيادة إذ هم أحفاد جنكيزخان إلى غير ذلك من الأضاليل فحلت هذه الأقوال عروة الوحدة بين الترك وبينهم ففترت عزائمهم وقصروا في الدفاع عن بلادهم سنة (١١٨٥) هـ وحاولت روسيا أن تعقد مع تركيا عهداً مقتضاه استقلال القرم وأن تستولي روسيا على قلعة كرتس وبناء قلعة في مدخل بحر أزوف وأن تكون الملاحة حرة لروسيا في جميع موانئ الدولة التركية في البحر الأسود وأن يكون لتلك الدولة حق حماية المسيحيين الأرثوذكس في تركيا فرفضت تركيا هذا الشرط الأخير فعاد الجفاء بين الدولتين على ما كان عليه فتقدم الصدر الأعظم محسن زاده باشا وانتصر على الروس بجوار بزارجق ووارنة وصدهم أيضاً علي باشا الداغستاني أمام روسجق ودحرهم عثمان باشا دحوراً عظيماً وقتل منهم تسعة آلاف وأسر الجنرال وينين وقتل الجنرال واسمان من جرح أصابه.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً