[الفتنة بين أمراء الشراكسة والأمراء الروم واختفاء السلطان الناصر فرج بن برقوق.]
العام الهجري:٨٠٨
الشهر القمري:ربيع الأول
العام الميلادي:١٤٠٥
تفاصيل الحدث:
في يوم الثلاثاء سادس ربيع الأول تخبطت الأحوال بين السلطان وبين المماليك، فوقف طائفة من المماليك الجراكسة، وسألوا أن يقبض على الأمير تغري بردي، والأمير دمرداش، والأمير أرغون، من أجل أنهم من جنس الروم، وذلك أن السلطان اختص بهم، وتزوج ابنة تغري بردي، وأعرض عن الجراكسة، وقبض على إينال بيه فخاف الجراكسة من تقدم الروم عليهم، وأرادوا من السلطان إبعادهم، فأبى عليهم، فتحزبوا عليه، واجتمعوا على الأمير الكبير بيبرس، وتأخروا عن الخدمة السلطانية، فتغيب في ليلة الأربعاء الأميران تغري بردي ودمرداش، وأصبح الناس يوم الأربعاء سابعه، وقد ظهر الأمير يشبك الدوادار، والأمير تمراز، والأمير جركس المصارع، والأمير قانباي العلاي، وكانوا مختفين من حين الكسرة، بعد وقعة السعيدية، وذلك أن الأمير بيبرس ركب سحراً إلى السلطان وتلاحى معه طويلاً، وعرفه بمواضع الأمراء المذكورين، فاستقر الأمر على مصالحة السلطان للجراكسة، وإحضار الأمراء المذكورين، والإفراج عن إينال باي وغيره، فانفضوا على ذلك، وصار العسكر حزبين وأظهر الجراكسة الخلاف، ووقفوا تحت القلعة يمنعون من يقصد السلطان، وجلس الأمير الكبير بيبرس في جماعة من الأمراء بداره، وصار السلطان بالقلعة، وعنده عدة أمراء، وتمادى الحال يوم الخميس والجمعة والسبت، والناس في قلق، وبينهم قالة وتشانيع وإرجافات، ونزل السلطان إلى باب السلسلة، واجتمع معه بعض الأمراء ليصلح الأمر، فلم يفد شيئاً، وكثرت الشناعة عليه، وباتوا على ما هم عليه، وأصبحوا يوم الأحد خامس عشرينه وقد كثروا، فطلبوا من السلطان أن يبعث إليهم بالأمير تغري بردي والأمير أرغون، فلما بعثهما قبضوا عليهما، وأخرجوا تغري بردي منفياً في الترسيم إلى القدس، فلما كان عند الظهيرة، فقد السلطان من القلعة، فلم يعرف له خبر، وسبب اختفائه أن النوروز كان في يوم السبت رابع عشرين ربيع الأول هذا، فجلس السلطان مع عدة من خاصكيته لمعاقرة الخمر، ثم ألقى نفسه في بحره ماء وقد ثمل، فتبعه جماعة وألقوا أنفسهم معه في الماء، وسبح بهم في البحرة، وقد ألقى السلطان عنه جلباب الوقار، وساواهم في الدعابة والمجون، فتناوله من بينهم شخص، وغمه في الماء مراراً، كأنه يمازحه ويلاعبه، وإنما يريد أن يأتي على نفسه، مما هو إلا أن فطن به فبادر إليه بعض الجماعة - وكان رومياً - وخلصه من الماء، وقد أشرف على الموت، فلم يبد السلطان شيئاً، وكتم في نفسه، ثم باح بما أسره، لأنه كان لا يستطع كتمان سر، وأخذ يذم الجراكسة - وهم قوم أبيه، وشوكة دولته، وجل عسكره - ويمدح الروم، ويتعصب لهم، وينتمي إليهم، فإن أمه شيرين كانت رومية، فشق ذلك على القوم، وأخذوا حذرهم، وصاروا إلى الأمير الكبير بيبرس ابن أخت الظاهر واستمالوه، فخاف السلطان وهم أن يفر، فبادره الأمير بيبرس وعنفه، وما زال به حتى أحضر الأمراء من الإسكندرية ودمياط، وأظهر الأمراء المختفين كما ذكر، فاجتمع الأضداد، واقترن العدي والأنداد، ثم عادوا إلى ما هم عليه من الخلاف بعد قليل، وأعانهم السلطان على نفسه، بإخراج يشبك بن أزدمر، وأزبك، فأبدوا عند ذلك صفحات وجوههم، وأعلنوا بخلافه، وصاروا إلى أينال باي بن قجماس، ليلة الجمعة، وسعوا فيما هم فيه، ثم دسوا إليه سعد الدين بن غراب كاتب السر، فخيله منهم، حتى امتلأ قلبه خوفاً، فلما علم ابن غراب بما هو فيه من الخوف، حسن له أن يفر، فمال إليه، وقام وقت الظهر من بين حرمه وأولاده، وخرج من ظهر القلعة من باب السر الذي يلي القرافة، ومعه الأمير بيغوت، فركبا فرسين قد أعدهما ابن غراب، وسارا مع بكتمر مملوك ابن غراب، ويوسف بن قطلوبك صهره أيضاً، إلى بركة الحبش، ونزلا وهما معهما في مركب، وتركوا الخيل نحو طرا وغيبوا نهارهم في النيل، حتى دخل الليل، فساروا بالمركب إلى بيت ابن غراب، وكان فيما بين الخليج وبركة الفيل، فلم يجدوه في داره، فمروا على أقدامهم حتى أووا في بيت بالقاهرة لبعض معارف بكتمر مملوك ابن غراب، ثم بعثوا إلى ابن غراب فحول السلطان إليه وأنزله عنده بداره، من غير أن يعلم بذلك أحد.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً