كثر تنافر الأمراء واختلافهم، وانقطع نوروز، وجكم، وقنباي عن الخدمة، ودخل شهر رمضان: وانقضى، فلم يحضروا للهناء بالعيد، ولا صلوا صلاة العيد مع السلطان، فلما كمان يوم الجمعة ثاني شوال: ركبوا للحرب، فنزل السلطان من القصر إلى الإسطبل عند سودن طاز، وركب نوروز وجكم وقنباي، وقرقماس الرماح، ووقعت الحرب من بكرة النهار إلى العصر، ورأس الأمراء نوروز وجكم، وخصمهم سودن طاز، فلما كان آخر النهار: بعث السلطان بالخليفة المتوكل على الله وقضاة القضاة الأربع إلى الأمير الكبير نوروز في طلب الصلح، فلم يجد بداً من ذلك، وترك القتال وخلع عنه آلة الحرب، فكف الأمير جكم الدوادار أيضاً عن الحرب، وعد ذلك مكيدة من سودن طاز، فإنه خاف أن يغلب ويسلمه السلطان إلى الأمراء، فأشار عليه بذلك حتى فعله، فتمت مكيدته بعدما كاد أن يؤخذ، لقوة نوروز وجكم عليه، وبات الناس في هدوء، فلما كان يوم السبت الغد: ركب الخليفة وشيخ الإسلام البلقيني، وحلفوا الأمراء بالسمع والطاعة للسلطان، وإخماد الفتنة، فطلع الأمير نوروز إلى الخدمة في يوم الاثنين خامسه، وخلع عليه، وأركب فرساً خاصاً بسرج، وكنفوش ذهب، وطلع الأمير جكم في ثامنه وهو خائف، ولم يطلع قنباي، ولا قرقماس، وطلبا فلم يوجدا، مجهز إليهما خلعتان، على أن يكون قنباي نائباً بحماة، وقرقماس حاجباً بدمشق، ونزل جكم بغير خلعة حنقاً وغضباً، فما هو إلا أن استقر في داره، ونزل إليه سرماش رأس نوبة، وبشباي الحاجب بطلب قنباي، ظناً أنه اختفى ليلبس الخلعة بنيابة حماة، فأنكر أن يكون عنده، وصرفهما، وركب من ليلته بمن معه من الأمراء والمماليك وأعيانهم قمش الخاصكي الخازندار، ويشبك الساقي، ويشبك العثماني، وألطبغا جاموس، وجانباي الطيبي، وبرسبغا الدوادار، وطرباي الدوادار، وصاروا كلهم على بركة الحبش خارج مصر، ولحق به الأمير قنباي، وقرقماس الرماح، وأرغز، وغنجق، ونحو الخمسمائة من مماليك السلطان، وأقاموا إلى ليلة السبت عاشره، فأتاهم الأمير نوروز، والأمير سودن من زاده رأس نوبة، والأمير تمربغا المشطوب، في نحو الألفين، فسر بهم وأقاموا جميعاً إلى ليلة الأربعاء، وأمرهم يزيد ويقوى بمن يأتيهم من الأمراء والمماليك، فنزل السلطان من القصر في ليلة الأربعاء رابع عشره إلى الإسطبل عند سودن طاز، وركب بكرة يوم الأربعاء فيمن معه، وسار من باب القرافة، بعد ما نادى بالعرض، واجتمع إليه العسكر كله، وواقع جكم ونوروز، وكسرهما، وأسر تمربغا المشطوب، وسودن من زاده، وعلى بن أينال، وأرغر، وفر نوروز وجكم في عدة كبيرة يريدون بلاد الصعيد، وعاد السلطان ومعه الأمير سودن طاز إلى القلعة مظفراً منصوراً، وبعث بالأمراء المأسورين إلى الإسكندرية، في ليلة السبت سابع عشره، وانتهي نوروز وجكم إلى منية القائد وعادوا إلى طموه، ونزلوا على ناحية منبابه من بر الجيزة، تجاه القاهرة، فمنع السلطان المراكب أن تعدى بأحد منهم في النيل، وطلب الأمير يشبك الشعباني من الإسكندرية، فقدم يوم الاثنين تاسع عشره إلى قلعة الجبل، ومعه عالم كبير ممن خرج إلى لقائه، فباس الأرض ونزل إلى داره، وفي ليلة الثلاثاء عشرينه: ركب الأمير نوروز نصف الليل، وعدي النيل، وحضر إلى بيت الأمير الكبير بيبرس الأتابك، وكان قد تحدث هو والأمير إينال باي بن قجماس له مع السلطان، حتى أمنه ووعده بنيابة دمشق، وكان ذلك من مكر سودن طاز، فمشى ذلك عليه، حتى حضر، فاختل عند ذلك أمر جكم وتفرق عنه من معه، وفر عنه قنباي وصار فريداً، فكتب إلى الأمير بيبرس الأتابك يستأذنه في الحضور، فبعث إليه الأمير أزبك الأشقر رأس نوبة والأمير بشباي الحاجب، وقدما به ليلة الأربعاء حادي عشرينه إلى باب السلسلة من الإصطبل السلطاني، فتسلمه عدوه الأمير سودن طاز وأصبح وقد حضر يشبك وسائر الأمراء للسلام عليه، فلما كانت ليلة الخميس ثاني عشرينه قيد وحمل في الحراقة إلى الإسكندرية، فسجن بها حيث كان الأمير يشبك مسجوناً، وفي يوم الخميس هذا خرج المحمل وأمير الحاج نكباي الأزدمري، أحد أمراء الطبلخاناه، وكان قد ألبس الأمير نوروز تشريف نيابة دمشق في بيت الأمير بيبرس يوم الأربعاء، فقبض عليه من الغد يوم الخميس، وحمل إلى باب السلسلة، وقيد، وأخرج في ليلة الجمعة ثالث عشرينه إلى الإسكندرية، فسجن بها أيضاً، وغضب الأميران بيبرس وإينال باي، وتركا الخدمة السلطانية أياماً، ثم أرضيا، واختفى الأميران قانباي وقرقماس، فلم يعرف خبرهما.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً