للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خلع السلطان المؤيد أحمد بن إينال وتسلطن الظاهر خشقدم.]

العام الهجري:٨٦٥

الشهر القمري:رمضان

العام الميلادي:١٤٦١

تفاصيل الحدث:

لما كان آخر يوم الجمعة سابع عشر شهر رمضان رسم السلطان الملك المؤيد أحمد لنقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبي الفرج أن يدور على الأمراء مقدمي الألوف، ويعلمهم أن السلطان رسم بطلوعهم من الغد في يوم السبت إلى الحوش السلطاني من قلعة الجبل بغير قماش الموكب، ولم يعلمهم لأي معنى يكون طلوعهم واجتماعهم في هذا اليوم بالقلعة، وهو غير العادة، وأخذ الأمراء من هذا الأمر أمر مريج، وخلا كل واحد بمن يثق به، وعرفه الخبر، وهو لا يشك أن السلطان يريد القبض عليه من الغد، ووجد لذلك من كان عنده كمين من الملك المؤيد أو يريد إثارة فتنة فرصة، وحرض بعضهم بعضاً، إلى أن ثارت المماليك الظاهرية في تلك الليلة، وداروا على رفقتهم وإخوانهم وعلى من له غرض في القيام على الملك المؤيد، وداموا على ذلك ليلتهم كلها، فلما كان صبح نهار السبت تفرقوا على أكابر الدولة والأمراء في بيت الأتابك خشقدم لعمل المصلحة، هذا وقد اجتمعت طوائف المماليك والجميع في بيت الأمير الكبير، ولم يطلع إلى القلعة في هذا اليوم أحد من الأمراء والأعيان إلا جماعة يسيرة جداً، فلما تكامل جمعهم في بيت الأمير الكبير وصاروا على كلمة واحدة، على خلع الملك المؤيد أحمد من السلطنة، وسلطنة غيره وتكلموا فيمن يولونه السلطنة أجمع رأي الجميع على سلطنة أحد من أعيان الأمراء، ثم تكلموا فيمن يكون هذا السلطان، ثم قال جانبك: الرأي عندي سلطنة الأمير الكبير خشقدم المؤيدي، فإنه من غير الجنس يعني كونه رومي الجنس وأيضاً إنه رجل غريب ليس له شوكة، ومتى أردتم خلعه أمكنكم ذلك، وحصل لكم ما تقصدونه من غير تعب، فأعجب الجميع هذا الكلام، ونودي بالحال بسلطنته بشوارع القاهرة، ثم شرعوا بعد ذلك في قتال الملك المؤيد أحمد هذا، كل ذلك والملك المؤيد في القلعة في أناس قليلة من مماليكه ومماليك أبيه الأجلاب، ثم التحم القتال بين الطائفتين مناوشة لا مصاففة، غير أن كلا من الطائفتين مصر على قتال الطائفة الآخرى، والملك المؤيد في قلة عظيمة من المقاتلة ممن يعرف مواقع الحرب وليس معه إلا أجلاب، فلم ينقض النهار حتى آل أمر الملك إلى زوال، وهو مع ذلك ينتظر من يجيء إليه لمساعدته، حتى من ليس له غرض عند أحد بعينه جاء إلى الأمير الكبير مخافة على رزقه ونفسه، لما علم من قوة شوكة الأمير الكبير وما يؤول أمره إليه، هذا مع حضور الخليفة والقضاة الأربعة عند الأمير الكبير وجميع عيان الدولة من المباشرين وأرباب الوظائف وغيرهم، والملك المؤيد في أناس قليلة جداً، وظهر ذلك للملك المؤيد عياناً، فأراد أن يسلم نفسه، ثم أمسك عن ذلك من وقته، فلما رأى الملك المؤيد أن ذلك لا يفيده إلا شدة وقسوة أمر عساكره ومقاتلته بالكف عن القتال، وقام من وقته وطلع القلعة بخواصه، وأمر أصحابه بالانصراف إلى حيث شاؤوا، ثم دخل هو إلى والدته خوند زينب بنت البدري حسن بن خاص بك، وترك باب السلسلة لمن يأخذه بالتسليم، وتمزقت عساكره في الحال كأنها لم تكن، وزال ملكه في أقل ما يكون، وخمدت الفتنة كأنها لم تكن، ثم أرسل الأتابك خشقدم في الحال جماعة من أصحابه قبضوا على الملك المؤيد أحمد هذا من الدور السلطانية، فأمسك من غير ممانعة، وسلم نفسه، وأخرج من الدور إلى البحرة من الحوش السلطاني، وحبس هناك بعد أن قئد واحتفظ به، وكانت مدة تحكمه أربعة أشهر وستة أيام ثم رسم السلطان الملك الظاهر خشقدم بتوجهه وتوجه أخيه محمد إلى سجن الإسكندرية، أما السلطان الجديد فهو السلطان الملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين خشقدم بن عبد الله الناصري المؤيدي، تسلطن في يوم الأحد تاسع عشر شهر رمضان فلما كان وقت الزوال طلب الخليفة المستنجد بالله يوسف والقضاة والأعيان، وقد حضر جميع الأمراء في الإسطبل السلطاني بباب السلسلة بالحراقة، وبويع بالسلطنة، وكان قد بويع بها من بكرة يوم السبت ثامن عشر شهر رمضان قبل قتال الملك المؤيد أحمد ولقب بالملك الظاهر، وكني بأبي سعيد ويذكر أن أصله رومي الجنس، جلبه خواجا ناصر الدين إلى الديار المصرية وسنه يوم ذلك دون البلوغ، فاشتراه الملك المؤيد شيخ، وجعله كتابياً سنين كثيرة، ثم أعتقه وجعله من جملة المماليك السلطانية.

(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً

<<  <  ج: ص:  >  >>