[فتنة المماليك الظاهرية ومحاولتهم خلع السلطان الأشرف إينال.]
العام الهجري:٨٥٩
الشهر القمري:جمادى الآخرة
العام الميلادي:١٤٥٥
تفاصيل الحدث:
في يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة كانت وقعة المماليك الظاهرية الجقمقية مع الملك الأشرف إينال، وسبب هذه الفتنة ثورة المماليك الأجلاب أولاً، وأفعالهم القبيحة بالناس، ثم عقب ذلك أن السلطان كان عين تجريدة إلى البحيرة، نحواً من خمسمائة مملوك، وعليهم من أمراء الألوف الأمير خشقدم المؤيدي أمير سلاح، والأمير قرقماس رأس نوبة النوب، وعدة من أمراء الطبلخانات والعشرات، ورسم لهم السلطان بالسفر في يوم الاثنين، هذا ولم يفرق السلطان على المماليك المكتوبة للسفر الجمال على العادة، فعظم ذلك عليهم، وامتنعوا إلى أن أخذوا الجمال، وسافر الأمير خشقدم في صبيحة يوم الاثنين المذكور، وتبعه الأمير قرقماس في عصر نهاره، وأقاما ببر منبابة تجاه بولاق، فلم يتبعهم أحد من المماليك المعينة معهم، بل وقف غالبهم بسوق الخيل تحت القلعة ينتظرون تفرقة الجمال عليهم، إلى أن انفض الموكب السلطاني ونزلت الأمراء إلى جهة بيوتهم، فلما صار الأمير يونس الدوادار بوسط الرميلة احتاطت به المماليك الأجلاب، وتحقق الغدر، فأمر مماليكه بإشهار سيوفهم ففعلت ذلك، ودافعت عنه، وجرح من المماليك الأجلاب جماعة، وقطع أصابع بعضهم، وشق بطن آخر على ما قيل، فعند ذلك انفرجت ليونس فرجة خرج منها غارة إلى جهة داره، ونزل بها، ورمى عنه قماش الموكب، ولبس قماش الركوب، وطلع من وقته إلى القلعة من أعلى الكبش، ولم يشق الرميلة، وأعلم السلطان بخبره، فقامت لذلك قيامة المماليك الأجلاب، وقالوا: نحن ضربناهم بالدبابيس فضربونا بالسيوف، وثاروا على أستاذهم ثورة واحدة، وساعدهم جماعة من المماليك القرانيص وغيرهم لما في نفوسهم من السلطان لعدم تفرقة الجمال وغيرها، ووقفوا بسوق الخيل وأفحشوا في الكلام في حق السلطان، وهددوه إن لم يسلم لهم الأمير يونس، ثم ساقوا غارة إلى بيت يونس الدوادار، فمنعوهم مماليكه من الدخول إلى دار يونس، فجاؤوا بنار ليحرقوا الباب، فمنعوهم من ذلك أيضاً، فعادوا إلى سوق الخيل، فوافوا المنادي ينادي من قبل السلطان بالأمان، فمالوا على المنادي بالدبابيس، فسكت من وقته، وهرب إلى حال سبيله، هذا وقد طلعت جميع أمراء الألوف إلى عند السلطان، والسلطان على حالة السكوت، غير أنه طلب بعض مماليكه الأجلاب الأعيان، وكلمه بأنه يعطي من جرح من الأجلاب ما يكفيه، وأنه يعطي للذي قطعت أصابعه إقطاعاً ومائة دينار، فلم يقع الصلح، وانفض الأمر على غير طائل لشدة حر النهار، ولما تفرقت المماليك نزلت الأمراء إلى دورهم، ما خلا الأمير يونس الدوادار، فإنه بات في القلعة، فلما تضحى النهار أرسل إليهم السلطان بأربعة أمراء، وهم: الأمير يونس العلائي أحد مقدمي الألوف، وسودون الإينالي المؤيدي قراقاش رأس نوبة ثان، ويلباي الإينالي، المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، وبردبك البجمقدار أحد الطبلخانات أيضاً ورأس نوبة، فنزلوا إليهم من القلعة؛ فما كان إلا أن وقع بصر المماليك الأجلاب على هؤلاء الأمراء احتاطوا بهم، وأخذوهم بعد كلام كثير، ودخلوا بهم إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح تجاه باب السلسلة، ورسموا عليهم بعضهم، كل ذلك والمماليك الظاهرية الجقمقية وقوف على بعد، لا يختلفون بهم، لينظروا ما يصير من أمرهم، فلما وقع ما ذكرناه تحققوا خروجهم على أستاذهم، وثار ما عندهم من الكمائن التي كانت كامنة في صدورهم من الملك الأشرف إينال لما فعل بابن أستاذهم الملك المنصور عثمان، وحبس خجداشيتهم، وتقريب أعدائهم الأشرفية مماليك الأشرف برسباي، فانتهزوا الفرصة، وانضافوا إلى المماليك الأجلاب، وعرفوهم أن الأمر لا يتم إلا بحضرة الخليفة ولبس السلاح، فساق قاني باي المشطوب أحد المماليك الظاهرية من وقته إلى بيت الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وكان في الخليفة المذكور خفة وطيش، فمال إليهم، ظنا أنه يكون مع هؤلاء وينتصر أحدهم ويتسلطن، فيستفحل أمره ثانياً أعظم من الأول، ولما حضر الخليفة عندهم، تكامل لبسهم السلاح، وانضافت إليهم خلائق من المماليك السيفية، وأوباش الأشرفية، وغيرهم من الجياع الحرافيش، فلما رأت الأجلاب أمر الظاهرية، حسبوا العواقب، وخافوا زوال ملك أستاذهم، فتخلوا عن الظاهرية قليلاً بقليل، وتوجه كل واحد إلى حال سبيله، فقامت الظاهرية بالأمر وحدهم؛ وما عسى يكون قيامهم من غير مساعدة، وقد تخلى عنهم جماعة من أعيانهم وخافوا عاقبة هذه الفتنة؟!، هذا وقد تعبأ السلطان لحربهم، ونزل من القلعة إلى باب السلسلة من الإسطبل السلطاني، وتناوش القوم بالسهام، وأرادوا المصاففة، فتكاثر عليهم السلطانية، وصدموهم صدمة واحدة بددوا شملهم، بل كانوا تشتتوا قبل الصدمة أيضاً، وهجم السلطانية في الحال إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح، وأخذوا الأمراء المرسم عليهم، وأخذوا فيمن أخذوا الخليفة معهم، وطلعوا بهم إلى السلطان، فلما رأى السلطان الخليفة وبخه بالكلام الخشن، وتفرقت من يوم ذاك أجلاب السلطان فرقتين: فرقة وهم الذين اشتراهم من كتابية الظاهر جقمق وابنه، وفرقة اشتراهم هو في أيام سلطنته، وقويت الفرقة الذين اشتراهم على الفرقة الظاهرية، ومنعوهم من الطلوع إلى القلعة، والسكنى بالأطباق، ولما انتهت الوقعة أمسك جماعة من المماليك الظاهرية وحبسهم بالبرج من قلعة الجبل، ونفى بعضهم واختفى بعضهم.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً