[وقعة مرج عيون بين الفرنجة والسلطان صلاح الدين الناصر.]
العام الهجري:٥٧٥
الشهر القمري:ربيع الأول
العام الميلادي:١١٧٩
تفاصيل الحدث:
سار السّلطان صلاح الدّين من عكا إلى دمشق فدخلها في صفر، توجَّه إلى شَقِيف أرنُون فأقام بمرج برغوث أياماً، ثم أتى مرج عيون، فنزل أرناط صاحب الشقيف وحيداً إلى خدمة السّلطان فخلع عليه واحترمه، وكان من أكبر الفرنج وكان يعرف العربية، وله معرفة بالتواريخ، فسلم الحصن من غير تعب وقال: لا أقدر أُساكن الفرنج، والتمس المُقام بدمشق، ثم بدا منه غدر فقبض عليه وحبسه بدمشق، ووكل بالحصن من يحاصره. ثم بلغ إلى السّلطان أن الفرنج قد جمعوا وحشدوا وجيشوا من مدينة صور، وساروا لحصار صيدا وعكا ليستردوها، فسار إليهم فالتقاهم، فظهر الفرنج وقُتل في سبيل الله طائفة. ثم كرّ المسلمون عليهم فردوهم حتى ازدحموا على جسرٍ هناك، فغرق مائتا نفس. ثم سار السّلطان إلى تبنين فرتب أمورها، وسار إلى عكا فأشرف عليها، وقرر بها أميرين: سيف الدّين عليّ المشطوب الكردي، وبهاء الدّين قراقوش الخادم الأبيض، وعاد فلم يلبث أن نازلت الفرنج عكا، وجاءت من البرّ والبحر، فسار السّلطان حتى نزل قبالتهم وحاربهم مراتٍ عديدة، وطال القتال عليهم، واشتد البلاء، وقتل خلقٌ من الفرنج والمسلمين إلى أن دخلت السنة الآتية والأمر كذلك. وقيل: سار إلى دمشق فأقام بها ثم خرج إلى شقيف - وهي في موضع حصين - فخيم في مرج عيون بالقرب منه، وأقام أياماً يباشر قتاله - والعساكر تتواصل إليه - فلما تحقق صاحب شقيف أنه لا طاقة له به نزل إليه بنفسه، فلم يشعر به إلا وهو قائم على باب خيمته، فأذن له في دخوله إليه، وأكرمه واحترمه، وكان من أكابر الفرنج وعقلائهم، وكان يعرف بالعربية وعنده الاطلاع على شيء من التواريخ والأحاديث، وكان حسن التأني لما حضر بين يدي السلطان، وأكل معه الطعام وخلا به، ذكر أنه مملوكه وتحت طاعته، وأنه يسلم إليه المكان من غير تعب، واشترط أن يعطى موضعاً يسكنه بدمشق، وإقطاعاً فيها يقوم به وبأهله، وشروط غير ذلك، فأجابه إلى مرامه. ووصله الخبر بتسليم الشوبك، وكان قد أقام عليه جمعاً يحاصرونه مدة سنة كاملة إلى أن نفد زاد من كان فيه، وسلموه بالأمان. ثم ظهر للسلطان بعد ذلك أن جميع ما قاله صاحب شقيف كان خديعة، فراسلهم عليه ثم بلغه أن الفرنج قصدوا عكا ونزلوا عليها، فسير صاحب شقيف إلى دمشق بعد الإهانة الشديدة، وأتى عكا ودخلها بغتة لتقوي قلوب من بها، ثم استدعى العسكر من كل ناحية، ثم تكاثر الفرنج، واستفحل أمرهم وأحاطوا بعكا، ومنعوا من يدخل إليها ويخرج، فضاق صدر السلطان لذلك، ثم اجتهدوا في فتح طريق إليها لتستمر المسايلة بالمسيرة والنجدة، وسار الأمراء فاتفقوا على مضايقة العدو لينفتح الطريق، ففعلوا ذلك وانفتح الطريق، وسلكه المسلمون ودخل السلطان عكا، فأشرف على أمورها، ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة أيام، ثم جرت وقعات، وقيل للسلطان: إن الوخم قد عظم بمرج عكا، فإن الموت قد نشأ بين الطائفتين فرجعوا.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً