[فتنة الأمير جكم ومحاولة استيلائه على البلاد ومحاولة تسلطنه (واقعة السعيدية).]
العام الهجري:٨٠٧
الشهر القمري:جمادى الأولى
العام الميلادي:١٤٠٤
تفاصيل الحدث:
استولى الأمير جكم على حلب وقد كان سابقا خرج عن الطاعة وتمالأ مع التركمان والعربان وأحدث عدة فتن، وأنعم على الأمير علان نائب حماة بموجود دمرداش النائب السابق لحلب، وأحسن جكم السيرة في حلب، وولي في القلاع نواباً من جهته، فاجتمعت له حلب وحماة وطرابلس، وأما الأمير شيخ نائب الشام فإنه خرج لأخذ صفد وعمل ثلاثين مدفعاً، وعدة مكاحل للنفط ومنجنيقين، وجمع الحجارين والنقابين وآلات الحرب، وخرج من دمشق ومعه جميع من عنده من عسكر مصر والشام، وقرا يوسف بجماعته، وجماعة السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، والتركمان الجشارية، وأحمد بن بشارة بعشرانه، وعيسى بن الكابولي بعشيره، بعدما نادى بدمشق من أراد النهب والكسب فعليه بصفد فاجتمع له خلائق، وسار ومعه مائة جمل تحمل المدافع والمكاحل والمناجنيق، والزحافات، والبارود، ونحو ذلك من آلات الحصار، وولي الأمير ألطنبغا العثماني نيابة صفد، فكتب يستدعي عشران صفد وعربانها وتركمانها، فقدم الأمير شيخ بمن معه إلى صفد وبعث أمامه تقي الدين يحيى بن الكرماني، وقد ولاه مضاء العسكر، ومعه قطلوبغا رأس نوبة بكتابه إلى الأمير بكتمر شلق، يدعوه إلى موافقته، ويحذره من مخالفته، ويعلمه أن الأمير جكم قد أخذ حلب من الأمير دمرداش بالقهر، وأنه قادم إليه ومعه الأمير علان نائب حماة، فلم يذعن له بكتمر، وأبى إلا قتاله، فأحاط الأمير شيخ بقلعة صفد وحصرها من جميع جهاتها، وقد حصنها الأمير بكتمر وشحنها بالرجال والآلات، فاستمرت الحرب بينهم أياماً، جرح فيها من الشيخية نحو ثلاثمائة رجل، وقتل ما ينيف على خمسين فارساً، ثم إن الأمير جكم خرج من حلب يريد دمشق، وقد حضر إليه شاهين دوادار الأمير شيخ يستدعيه، وكان جكم قد سلم القلعة إلى شرف الدين موسى بن يلدق، وعمل حجاباً وأرباب وظائف، وعزم على أن يتسلطن ويتلقب بالملك العادل، ثم أخر ذلك وقدم دمشق ومعه الأمير قانباي، والأمير تغري بردي القجقاري وجماعة، وقد خرج الأمير شيخ والأمراء إلى لقائه، وأنزله في الميدان، فترفع على الأمراء ترفعاً زائداً أوجب تنكرهم عليه في الباطن، إلا أن الضرورة قادتهم إلى الإغضاء فأكرموه، وأنزلوه، وحلفوه على القيام معهم على السلطان، وموافقتهم، وأخذ في إظهار شعار السلطنة، فشق عليهم ذلك، ومازالوا به حتى تركه، وأقام معهم بدمشق ثم توجه منها مخفا إلى طرابلس، وترك أثقاله بدمشق، ليجمع عساكر طرابلس وغيرها ممن انضم إليه، وأما الأمير شيخ فإنه وقع الصلح بينه وبين الأمير بكتمر نائب صفد، وتحالفوا جميعاً على الاتفاق، ثم سار جكم من طرابلس في عشرينه، وخيم ظاهرها، فبعث شيخ السلماني يستدعي علان، فبعث إليه نائب شيزر على عسكر، ففر ابن أمير أسد بمن معه وترك أثقاله، فأخذها السليماني، ورتب أمر قلعة صهيون، وجعل بيازير بها، وتوجه إلى علان - وقد نزل على بارين - فتلقاه وبالغ في كرامته، وأنزله بمخيمه، فأخذ شيخ عند ذلك في مكاتبة أمراء طرابلس وتراكمينها يدعوهم إلى طاعته، فأجابوه بالسمع والطاعة، ووعدوه بالقيام معه، فاضطرب أمر جكم، وانسل عنه من معه، طائفة بعد أخرى، فمضى إلى الناعم، وقد كثر جمع السليماني، فمشى ومعه علان يريدان حكم فتركهم، ومضى إلى دمشق، فأدركه في طريقه إليها الأمير سعد الدين إبراهيم بن غراب، ويشبك العثماني، وأقبغا دوادار الأمير يشبك الدوادار، يحثوه على القدوم، وقد سار من دمشق فسار معهم، وأركب السليماني تراكمين طرابلس في أثر جكم، فأخذوا بعض أطرافه، وقدم السليماني طرابلس وأعاد الخطبة للسلطان، ومهد أمورها، وكتب يعلم السلطان بذلك، ثم خرج منها بعد يومين يستنفر الناس، فاجتمع عليه خلائق من التراكمين، والعربان، والعشران، وعسكر طرابلس وكثير من عسكر حلب، وطائفة من المماليك السلطانية، وكان العجل بن نعير قد استولى على معاملة الحصن والمناصف، واستولى فارس بن صاحب الباز - وأخوه حسين - على سواحل اللاذقية وجبلة وصهيون، وبلاطنس، واستولى علم الدين على حصن الأكراد وعصى بها، واستولى رجب بن أمير أسد على قلعة المرقب، فطرد السليماني العجل من المعاملة، ونزل على حصن الأكراد وحصرها، حتى أخذها، وأعاد بها الدعاء للسلطان، وأخذ في استرجاع الساحل، فقدم عليه الخبر بولاية الأمير قانباي طرابلس، ووصول متسلمه سيف الدين بوري - ومعه شهاب الدين أحمد الملطي - على ظهر البحر من ديار مصر، ففت ذلك في عضده، وصار إلى علان نائب حماة، فأشار عليه أن لا يسلم طرابلس حتى يراجع السلطان بما يترتب على عزله من الفساد بتبدد كل العساكر، فكتب بذلك، ودخل بوري والملطي إلى طرابلس، وتسلماها، وحلفا الأمراء وغيرهم للسلطان، ثم خرج الأمير شيخ نائب الشام ومعه الأمير يشبك وبقية الأمراء إلى لقاء الأمير جكم، فعندما رأوه ترجل له يشبك، ونزل الأرض، وسلم عليه، فلم يعبأ به، ولا التفت إليه، وجرى على عادته في الترفع والتكبر، فشق ذلك على الأمير شيخ، ولام يشبك على ترجله، وعيب جكم على ما كان منه، ودخلوا معه إلى دمشق والطبول تضرب وهو في مركب مهول، فنزل الميدان، وجرى على عادته في التكبر والترفع، فتنكرت القلوب، واختلفت الآراء، فكان جكم أمة وحدة، يرى أنه السلطان، ويريد إظهار ذلك، والأمراء تسوسه برفق، حتى لا يتظاهر بالسلطنة، ورأيه التوجه إلى بلاد الشمال، ورأي بقية الأمراء المسير إلى مصر، فكانوا ينادون يوماً بالمسير إلى مصر، وينادون يوما بالمسير إلى حماة وحلب، وينادون يوماً من أراد النهب والكسب فعليه بالتوجه إلى صفد، ثم قوي عزمهم جميعاً على قصد مصر، وبعثوا لرمي الإقامات بالرملة وغزة، وبرزوا بالخيام إلى قبة يلبغا في رابع عشره، وخرج الأمير شيخ والأمير يشبك وقرا يوسف من دمشق، وندبوا الأمير يشبك وقرا يوسف إلى صفد، فسارا من الخربة في عسكر، ومضى الأمير شيخ إلى قلعة الصبيبة فاستعد الأمير بكتمر شلق نائب صفد، وأخرج كشافته بين يديه، ونزل بجسر يعقوب، فالتقي أصحابه بكشافة يشبك وقرا يوسف، واقتتلوا، فكثرت الجراحات بينهما، وغنم الصفديون منهم عشرة أفراس، فرجع يشبك وقرا يوسف إلى طبرية، ونزلا على البحيرة حتى عاد الأمير شيخ من الصبيبة، وقد حصن قلعتها، ثم ساروا جميعاً إلى غزة وقد تقدمهم الأمير جكم، ونزل بالرملة والتقت مقدمة السلطان ومقدمة الأمراء واقتتلوا، فرحل السلطان من بلبيس بكرة نهار الأربعاء، ونزل السعيدية فأتاه كتاب الأمراء الثلاثة شيخ، وجكم، ويشبك، بأن سبب حركتهم ما جرى بين الأمير يشبك والأمير إينال بيه بن قجماس من حظ الأنفس، حتى توجه يشبك بمن معه إلى الشام، فكان بها من خراب البلاد، وهلاك الرعية ما كان، وطلبوا منه أن يخرج أينال بيه ودمرداش نائب حلب من مصر إلى الشام، وأن يعطى لكل من يشبك وشيخ وجكم، ومن معهم بمصر والشام ما يليق به، لتخمد هذه الفتنة باستمرارهم على الطاعة، وتحقن الدماء، ويعمر ملك السلطان، وإن لم يكن ذلك تلفت أرواح كثيرة، وخربت بيوت عديدة وقد كان عزمهم المكاتبة بهذا من الشام، لكن خشوا أن يظن بهم العجز، فإنه ما منهم إلا من جعل الموت نصب عينيه، ثم بيت الأمراء السلطان وهم في نحو الثلاثة آلاف فارس وأربعمائة تركماني من أصحاب قرا يوسف، فاقتتل الفريقان قتالاً شديداً، من بعد عشاء الآخرة إلى بعد نصف الليل، جرح فيه جماعة، وقتل الأمير صرق صبراً بين يدي الأمير شيخ، لأنه ولي نيابة الشام من السلطان، وركب السلطان ومعه الأمير سودن الطيار، وسودن الأشقر هجنا، وساقوا على البر تحت غلس الصبح يريدون القلعة، وتفرقت العساكر وتركوا أثقالهم وسائر أموالهم، فغنمها الشاميون، ووقع في قبضتهم الخليفة وقضاة مصر، ونحو من ثلاثمائة مملوك، والأمير شاهين الأفرم، والأمير خير بك نائب عزة، وقدم المنهزمون إلى القاهرة ولم يحضر السلطان، ولا الأمراء الكبار فكثر الإرجاف، وأقيم العزاء في بعض الدور وماج الناس، وكثر النهب، حتى وصل السلطان قريب العصر، ومعه الأمراء، إلى الأمير أقباي، وقد قاسى من العطش والتعب ما لا يوصف، فاستعد وجمع إليه عساكره، وزحفت عساكر الشاميين من الريدانية، وقد نزلوا بها من أمسه وكثر اضطراب الناس بالقاهرة، وغلقت أبوابها ودروبها، وتعطلت الأسواق، وعز وجود الماء، ووصلت العساكر قريباً من دار الضيافة تحت القلعة، فقاتلهم السلطانية من بكرة النهار إلى بعد الظهر فأقبل عدة من الأمراء إلى جهة السلطان طائعين له، منهم أسن بيه أمير ميسرة الشام، والأمير يلبغا الناصري، والأمير سودن اليوسفي، وإينال حطب، وجمق، ففت ذلك في أعضاد من بقي، وعاد طائفة منهم، وحملوا خفهم وأفرجوا عن الخليفة والقضاة وغيرهم، وتسلل الأمير قطلوبغا الكركي، والأمير يشبك الدوادار، والأمير تمراز الناصري، وجركس المصارع في جماعة، واختفوا بالقاهرة وظواهرها، فولي حينئذ الأمير شيخ المحمودي نائب الشام، والأمير جكم، وقرا يوسف، وطولو، في طائفة يسيرة، وقصدوا الشام، فلم يتبعهم أحد من عسكر السلطان، ونادى السلطان بالأمان، وأصبح، فقيد من استأمن إليه من الأمراء، وبعثهم إلى الإسكندرية، فاعتقلوا بها، وانجلت هذه الفتنة عن تلف مال العسكريين، فذهب فيها من الخيل والبغال والجمال والسلاح والثياب والآلات، ما لا يدخل تحت حصر، وأما حلب، فإن الأمير جكم لما سار عنها ثار بها عدة من أمرائها، ورفعوا سنجق السلطان بباب القلعة، فاجتمع إليهم العسكر، وحلفوا للسلطان، فقدم ابنا شهري الحاجب، ونائب القلعة من عند التركمان البياضية إلى حلب، وقام بتدبير الأمور يونس الحافظي، وامتدت أيدي عرب العجل بن نعير وتراكمين ابن صاحب الباز إلى معاملة حلب، فقسموها، ولم يدعوا لأحد من الأمراء والأجناد شيئاً من المغل.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً