كان صنجيل الفرنجي، لعنه الله، قد ملك مدينة جبلة، وأقام على طرابلس يحصرها، فحيث لم يقدر أن يملكها، بنى بالقرب منها حصناً، وبنى تحته ربضاً، وأقام مراصد لها، ومنتظراً وجود فرصة فيها، فخرج فخر الملك أبو علي بن عمار، صاحب طرابلس، فأحرق ربضه، ووقف صنجيل على بعض سقوفه المتحرقة، ومعه جماعة من القمامصة والفرسان، فانخسف بهم، فمرض صنجيل من ذلك عشرة أيام ومات، وحمل إلى القدس فدفن فيه، ثم إن ملك الروم أمر أصحابه باللاذقية ليحملوا الميرة إلى هؤلاء الفرنج الذين على طرابلس، فحملوها في البحر، فأخرج إليها فخر الملك بن عمار أسطولاً، فجرى بينهم وبين الروم قتال شديد، فظفر المسلمون بقطعة من الروم، فأخذوها، وأسروا من كان بها وعادوا، ولم تزل الحرب بين أهل طرابلس والفرنج عدة سنين، فعدمت الأقوات به، وخاف أهله على نفوسهم وأولادهم وحرمهم، فجلا الفقراء، وافتقر الأغنياء، وظهر من ابن عمار صبر عظيم، وشجاعة، ورأي سديد، ومما أضر بالمسلمين فيها أن صاحبها استنجد سقمان بن أرتق، فجمع العساكر وسار إليه، فمات في الطريق، وأجرى ابن عمار الجرايات على الجند والضعفى، فلما قلت الأموال عنده شرع يقسط على الناس ما يخرجه في باب الجهاد، فأخذ من رجلين من الأغنياء مالاً مع غيرهما، فخرج الرجلان إلى الفرنج وقالا: إن صاحبنا صادرنا، فخرجنا إليكم لنكون معكم، وذكرا لهم أنه تأتيه الميرة من عرقة والجبل، فجعل الفرنج جميعاً على ذلك الجانب يحفظه من دخول شيء إلى البلد، فأرسل ابن عمار وبذل للفرنج مالاً كثيراً ليسلموا الرجلين إليه، فلم يفعلوا، فوضع عليهما من قتلهما غيلة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً