كان بمصر غلاء شديد، ومجاعة عظيمة، حتى أكل الناس بعضهم بعضاً، وفارقوا الديار المصرية، فورد بغداد منهم خلق كثير هرباً من الجوع، وورد التجار، ومعهم ثياب صاحب مصر وآلاته، نهبت من الجوع، وكان فيها أشياء كثيرة نهبت من دار الخلافة وقت القبض على الطائع لله سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، ومما نهب أيضاً في فتنة البساسيري وخرج من خزائنهم ثمانون ألف قطعة بلور كبار، وخمسة وسبعون ألف قطعة من الديباج وعشرون ألف سيف محلى وغير ذلك كثير مما يتعجب المرء من سماعه لكثرته وعظمه وكله كان في قصور المستنصر، وأكل أهل مصر الجيف والميتات والكلاب، فكان يباع الكلب بخمسة دنانير، وماتت الفيلة فأكلت ميتاتها، وأفنيت الدواب فلم يبق لصاحب مصر سوى ثلاثة أفراس، بعد أن كان له العدد الكثير من الخيل والدواب، ونزل الوزير يوما عن بغلته فغفل الغلام عنها لضعفه من الجوع فأخذها ثلاثة نفر فذبحوها وأكلوها فأخذوا فصلبوا فما أصبحوا إلا وعظامهم بادية، قد أخذ الناس لحومهم فأكلوها، وظهر على رجل يقتل الصبيان والنساء ويدفن رؤوسهم وأطرافهم، ويبيع لحومهم، فقتل وأكل لحمه، وكانت الأعراب يقدمون بالطعام يبيعونه في ظاهر البلد، لا يتجاسرون يدخلون لئلا يخطف وينهب منهم، وكان لا يجسر أحد أن يدفن ميته نهارا، وإنما يدفنه ليلا خفية، لئلا ينبش فيؤكل، وبيعت ثياب النساء والرجال وغير ذلك بأرخص ثمن، وكذلك الأملاك وغيرها.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً