سار عبد الرحمن الأموي، صاحب الأندلس، إلى حرب شقنا، وقصد حصن شيطران، فحصره وضيق عليه، فهرب إلى المفازة كعادته، وكان قد استخلف على قرطبة ابنه سليمان، فأتاه كتابه يخبره بخروج أهل إشبيلية مع عبد الغفار وحيوة بن ملابس عن طاعته، وعصيانهم عليه، واتفق من بها من اليمانية معهما، فرجع عبد الرحمن ولم يدخل قرطبة، وهاله ما سمع من اجتماعهم وكثرتهم، فقدم ابن عمه عبد الملك بن عمر، وكان شهاب آل مروان، وبقي عبد الرحمن خلفه كالمدد له. فلما قارب عبد الملك أهل إشبيلية قدم ابنه أمية ليعرف حالهم، فرآهم مستيقظين، فرجع إلى أبيه، فلامه أبوه على إظهار الوهن، وضرب عنقه، وجمع أهل بيته وخاصته، وقال لهم: طردنا من المشرق إلى أقصى هذا الصقع، ونحسد على لقمة تبقي الرمق؛ اكسروا جفون السيوف، فالموت أولى أو الظفر. ففعلوا، وحمل بين أيديهم، فهزم اليمانية وأهل إشبيلية، فلم تقم بعدها لليمانية قائمة، وجرح عبد الملك. وهو الذي ألزم عبدالرحمن بقطع خطبة المنصور، وقال له: تقطعها وإلا قتلت نفسي! وكان قد خطب له عشرة أشهر، فقطعها. وكان عبد الغفار وحيوة بن ملابس قد سلما من القتل. فلما كانت سنة سبع وخمسين ومائة سار عبد الرحمن إلى إشبيلية، فقتل خلقاً كثيراً ممن كان مع عبد الغفار وحيوة ورجع. وبسبب هذه الوقعة وغش العرب مال عبد الرحمن إلى اقتناء العبيد.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً