دخل السلطان ملكشاه بغداد في ذي الحجة، بعد أن فتح حلب وغيرها من بلاد الشام، والجزيرة، وهي أول قدمة قدمها، ونزل بدار المملكة، وأرسل إلى الخليفة هدايا كثيرة، فقبلها الخليفة، ومن الغد أرسل نظام الملك إلى الخليفة خدمة كثيرة، فقبلها، وزار السلطان ونظام الملك مشهد موسى بن جعفر، وقبر معروف، وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة، وغيرها من القبور المعروفة وطلب نظام الملك إلى دار الخلافة ليلاً، فمضى في الزبزب (سفينة صغيرة)، وعاد من ليلته، ومضى السلطان ونظام الملك إلى الصيد في البرية، فزارا المشهدين: مشهد أمير المؤمنين علي، ومشهد الحسين، ودخل السلطان البر، فاصطاد شيئاً كثيراً من الغزلان وغيرها، وأمر ببناء منارة القرون بالسبيعي، وعاد السلطان إلى بغداد، ودخل الخليفة، فخلع عليه الخلع السلطانية، ولما خرج من عنده لم يزل نظام الملك قائماً يقدم أميراً أميراً إلى الخليفة، وكلما قدم أميراً يقول: هذا العبد فلان بن فلان، وأقطاعه كذا وكذا، وعدة عسكره كذا وكذا، إلى أن أتى على آخر الأمراء، وفوض الخليفة إلى السلطان أمر البلاد والعباد، وأمره بالعدل فيهم، وطلب السلطان أن يقبل يد الخليفة، فلم يجبه، فسأل أن يقبل خاتمه، فأعطاه إياه فقبله، ووضعه على عينه، وأمره الخليفة بالعود فعاد، وخلع الخليفة أيضاً على نظام الملك، ودخل نظام الملك إلى المدرسة النظامية، وجلس في خزانة الكتب، وطالع فيها كتباً، وسمع الناس عليه بالمدرسة جزء حديث، وأملى جزءاً آخر، وأقام السلطان ببغداد إلى صفر سنة ثمانين وأربعمائة، وسار منها إلى أصبهان.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً