كان قد ملك سمرقند أحمد خان بن خضر خان، أخو شمس الملك، الذي كان قبله، وهو ابن أخي تركان خاتون، زوجة السلطان ملكشاه، وكان صبياً ظالماً، قبيح السيرة، يكثر مصادرة الرعية، فنفروا منه، وكتبوا إلى السلطان سراً يستغيثون به، ويسألونه القدوم عليهم ليملك بلادهم، فتحركت دواعي السلطان إلى ملكها، فسار من أصبهان، وجمع العساكر من البلاد جميعها، فعبر النهر فلما قطع النهر قصد بخارى، وأخذ ما على طريقه، ثم سار إليها وملكها وما جاورها من البلاد، وقصد سمرقند ونازلها، وحصر البلد، وضيق عليه، وأعانه أهل البلد بالإقامات، وفرق أحمد خان، صاحب سمرقند، أبراج السور على الأمراء ومن يثق به من أهل البلد، فرمى السلطان ملكشاه، على السور عدة ثلم بالمنجنيقات، وأخذ أحد الأبراج، فلما صعد عسكر السلطان إلى السور هرب أحمد خان، واختفى في بيوت بعض العامة فغمز عليه وأخذ وحمل إلى السلطان وفي رقبته حبل، فأكرمه السلطان، وأطلقه وأرسله إلى أصبهان، ومعه من يحفظه، ورتب بسمرقند الأمير العميد أبا طاهر عميد خوارزم، وسار السلطان قاصداً كاشغر، فبلغ إلى يوزكند، وأرسل منها رسلاً إلى ملك كاشغر يأمره بإقامة الخطبة، وضرب السكة باسمه ويتوعده إن خالف بالمسير إليه. ففعل ذلك وأطاع، وحضر عند السلطان، فأكرمه وعظمه، وتابع الإنعام عليه، وأعاده إلى بلده، ورجع السلطان إلى خراسان، فلما أبعد عن سمرقند لم يتفق أهلها وعسكرها المعروفون بالجكلية مع العميد أبي طاهر، نائب السلطان عندهم، حتى كادوا يثبون عليه، فاحتال حتى خرج من عندهم، ومضى إلى خوارزم، فاتصلت الأخبار بعصيان سمرقند بالسلطان ملكشاه، وقتل عين الدولة، مقدم الجكلية، عاد إلى سمرقند، فلما وصل إلى بخارى هرب يعقوب المستولي على سمرقند، ومضى إلى فرغانة، ولحق بولايته، ووصل جماعة من عسكره إلى السلطان مستأمنين، ولما وصل السلطان إلى سمرقند ملكها، ورتب بها الأمير أبر، وسار في أثر يعقوب الذي دخل إلى أخيه بكاشغر مستجيراً به، فسمع السلطان بذلك، فأرسل إلى ملك كاشغر يتوعده، إن لم يرسله إليه، أن يقصد بلاده، ويصير هو العدو، فخاف أن يمنع السلطان، فأداه اجتهاده إلى أن قبض على أخيه يعقوب، وأظهر أنه كان في طلبه، فظفر به، وسيره مع ولده، وجماعة من أصحابه، وكلهم بيعقوب، وأرسل معهم هدايا كثيرة للسلطان، وأمر ولده أنه إذا وصل إلى قلعة بقرب السلطان أن يسمل يعقوب ويتركه، فإن رضي السلطان بذلك، وإلا سلمه إليه، فحدث أن طغرل بن ينال استولى على كاشغر فأطلقوا يعقوب، فلما رأى السلطان ذلك ورأى طمع طغرل بن ينال، ومسيره إلى كاشغر، وقبض صاحبها، وملكه لها مع قربه منه، خاف أن ينحل بعض أمره وتزول هيبته، وعلم أنه متى قصد طغرل سار من بين يديه، فإن عاد عنه رجع إلى بلاده، وكذلك يعقوب أخو صاحب كاشغر، وأنه لا يمكنه المقام لسعة البلاد وراءه وخوف الموت بها، فوضع تاج الملك على أن يسعى في إصلاح أمر يعقوب معه، ففعل ما أمره به السلطان، فاتفق هو ويعقوب، وعاد إلى خراسان، وجعل يعقوب مقابل طغرل يمنعه من القوة، وملك البلاد، وكل منهما يقوم في وجه الآخر.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً