كثر فساد العربان بالوجه القبلي، وتعدى شرهم في قطع الطريق إلى أن فرضوا على التجار وأرباب المعايش بأسيوط ومنفلوط فرائض جبوها شبه الجمالية، واستخفوا بالولاة ومنعوا الخراج، وتسموا بأسماء الأمراء، وجعلوا لهم كبيرين أحدهما سموه بيبرس والآخر سلار، ولبسوا الأسلحة وأخرجوا أهل السجون بأيديهم، فاستدعى الأمراء القضاة والفقهاء، واستفتوهم في قتالهم، فأفتوهم بجواز ذلك، فاتفق الأمراء على الخروج لقتالهم وأخذ الطرق عليهم، لئلا يمتنعوا بالجبال والمفاوز فيفوت الغرض فيهم، فاستدعوا الأمير ناصر محمد بن الشيخي متولي الجيزية - وغيره من ولاة العمل، وتقدموا إليه بمنع الناس بأسرهم من السفر إلى الصعيد في البر والبحر، ومن ظهر أنه سافر كانت أرواح الولاة قبالة ذلك، فاشتد حرصهم، وأشاع الأمراء إنهم يريدون السفر إلى الشام، وكتبت أوراق الأمراء المسافرين، وهم عشرون مقدماً بمضافيهم، وعينوا أربعة أقسام: قسم يتوجه في البر الغربي من النيل، وقسم في البر الشرقي، وقسم يركب النيل، وقسم يمضى في الطريق السالكة، وتوجه الأمير شمس الدين سنقر الأعسر إلى جهة ألواح في خمسة أمراء، وقرر أن يتأخر مع السلطان أربعة أمراء من المقدمين، وتقدم إلى كل من تعين لجهة أن يضع السيف في الكبير والصغير والجليل والحقير، ولا يبقوا شيخاً ولا صبياً، ويحتاطوا على سائر الأموال، وسار الأمير سلار في رابع جمادى الآخرة ومعه جماعة من الأمراء في البر الغربي، وسار الأمير بيبرس بمن معه في الحاجر في البر الغربي على طريق الواحات، وسار الأمير بكتاش أمير سلاح بمن معه إلى الفيوم وسار الأمير بكتمر الجوكندار بمن معه في البر الشرقي، وسار قتال السبع وبيبرس الدوادار وبلبان الغلشي وعرب الشرقية إلى السويس والطور، وسار الأمير قبجق ومن معه إلى عقبة السيل، وسار طقصبا والي قوص بعرب الطاعة وأخذ عليهم المفازات، وضرب الأمراء على الوجه القبلي حلقة كحلقة الصيد، وقد عميت أخبارهم على أهل الصعيد، فطرقوا البلاد على حين غفلة من أهلها، ووضعوا السيف في الجيزية بالبر الغربي والإطفيحية من الشرق، فلم يتركوا أحداً حتى قتلوه، ووسطوا نحو عشرة آلاف رجل، وما منهم إلا من أخذوا ماله وسبوا حريمه، فإذا ادعى أحد إنه حضري قيل له قل: دقيق، فإن قال بقاف العرب قتل، ووقع الرعب في قلوب العربان حتى طبق عليهم الأمراء، وأخذوهم من كل جهة فروا إليها، وأخرجوهم من مخابئهم حتى قتلوا من بجانبي النيل إلى قوص، وجافت الأرض بالقتلى، واختفى كثير منهم بمغائر الجبال، فأوقدت عليهم النيران حتى هلكوا عن آخرهم، وأسر منهم نحو ألف وستمائة لهم فلاحات وزروع، وحصل من أموالهم شيء عظيم جداً تفرقته الأيدي، وأحضر منه للديوان ستة عشر ألف رأس من الغنم، من جملة ثمانين ألف رأس ما بين ضأن وماعز، ونحو أربعة آلاف فرس واثنين وثلاثين ألف جمل، وثمانية آلاف رأس من البقر، غير ما أرصد في المعاصر، ومن السلاح نحو مائتين وستين حملا ما بين سيوف ورماح، ومن الأموال على بغال محملة مائتين وثمانين بغلاً، ثم عاد العسكر في سادس عشر رجب، وقد خلت البلاد بحيث كان الرجل يمشي فلا يجد في طريقه أحداً، وينزل بالقرية فلا يرى إلا النساء والصبيان والصغار، فأفرجوا عن المأسورين وأعادوهم لحفظ البلاد، وكان الزرع في هذه السنة بالوجه القبلي عظيماً إلى الغاية، تحصل منه ما لم يقدر قدره كثرة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً