كان أبو علي يونس بن عمر ولي المهدية، وجعل قائد الجيش بالمهدية محمد بن عبد الكريم، وهو شجاع مشهور، فعظمت نكايته في العرب، فلم يبق منهم إلا من يخافه، فاتفق أنه أتاه الخبر بأن طائفة من عوف نازلون بمكان، فخرج إليهم، وعدل عنهم حتى جازهم، ثم أقبل عائداً يطلبهم، وأتاهم الخبر بخروجه إليهم، فهربوا من بين يديه، فلقوه أمامهم، فهربوا وتركوا المال والعيال من غير قتال، فأخذ الجميع ورجع إلى المهدية وسلم العيال إلى الوالي، وأخذ من الأسلاب والغنيمة ما شاء، وسلم الباقي إلى الوالي وإلى الجند، ثم إن العرب من بني عوف قصدوا أبا سعيد بن عمر اينتي، فوحدوا وصاروا من حزب الموحدين، واستجاروا به في رد عيالهم، فأحضر محمد بن عبد الكريم، وأمره بإعادة ما أخذ لهم من النعم، فقال: أخذه الجند، ولا أقدر على رده، فأغلظ له في القول، وأراد أن يبطش به، فاستمهله إلى أن يرجع إلى المهدية ويسترد من الجند ما يجده عندهم، وما عدم منه غرم العوض عنه من ماله، فأمهله، فعاد إلى المهدية وهو خائف، فلما وصلها جمع أصحابه وأعلمهم ما كان من أبي سعيد، وحالفهم على موافقته، فحلفوا له، فقبض على أبي علي يونس، وتغلب على المهدية وملكها، فأرسل إليه أبو سعيد في معنى إطلاق أخيه يونس، فأطلقه على اثني عشر ألف دينار، فلما أرسلها إليه أبو سعيد فرقها في الجند وأطلق يونس، وجمع أبو سعيد العساكر، وأراد قصده ومحاصرته، فأرسل محمد بن عبد الكريم إلى علي بن إسحاق الملثم فحالفه واعتضد به، فامتنع أبو سعيد من قصده، ومات يعقوب، وولي ابنه محمد، فسير عسكراً مع عمه في البحر، وعسكراً آخر في البر مع ابن عمه الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن، فلما وصل عسكر البحر إلى بجاية، وعسكر البر إلى قسنطينة الهوى، هرب الملثم ومن معه من العرب من بلاد إفريقية إلى الصحراء، ووصل الأسطول إلى المهدية، فشكا محمد بن عبد الكريم ما لقي من أبي سعيد، وقال: أنا على طاعة أمير المؤمنين محمد، ولا أسلمها إلى أبي سعيد، وإنما أسلمها إلى من يصل من أمير المؤمنين؛ فأرسل محمد من يتسلمها منه، وعاد إلى الطاعة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً