لما توفي عز الدين مسعود صاحب الموصل أشار البعض على السلطان أن يولي عماد الدين زنكي الموصل وما حولها وخاصة أن الفرنج قد استولوا على أكثر الشام، فاستحسن ذلك السلطان ومال إلى توليته، لما يعلمه من كفايته لما يليه، فأحضره وولاه البلاد كلها، وكتب منشورة بها، وسار عماد الدين فبدأ بالبوازيج ليملكها ويتقوى بها ويجعلها ظهره، لأنه خاف من جاولي أنه ربما صده عن البلاد، ثم تملك الموصل ثم ترك نائبا له فيها هو نصر الدين جقر وسار هو إلى حلب مفتتحا في طريقه جزيرة ابن عمر وبها مماليك البرسقي، فامتنعوا عليه، فحصرهم وراسلهم، وبذل لهم البذول الكثيرة إن سلموا، فلم يجيبوه إلى ذلك، فجد في قتالهم حتى استلمها، ثم سار إلى نصيبين وفيها حسام الدين تمرتاش، فلما ملك نصيبين سار عنها إلى سنجار، فامتنع من بها عليه، ثم صالحوه وسلموا البلد إليه، ثم سار إلى حران، وهي للمسلمين، وكانت الرها، وسروج، والبيرة، وتلك النواحي جميعها للفرنج، وأهل حران معهم في ضر عظيم، وضيق شديد، لخلو البلد من حام يذب عنها، وسلطان يمنعها، فلما قارب حران خرج أهل البلد وأطاعوه وسلموا إليه، فلما ملكها أرسل إلى جوسلين، صاحب الرها وتلك البلاد، وراسله، وهادنه مدة يسيرة، وكان غرضه أن يتفرغ لإصلاح البلد، وتجنيد الأجناد، وكان أهم الأمور إليه أن يعبر الفرات إلى الشام، ويملك مدينة حلب وغيرها من البلاد الشامية، فاستقر الصلح بينهم، وأمن الناس، ثم ملك حلب في أول السنة التالية من محرم.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً