تعتبر هذه الهجمة هي الحملة الصليبية الخامسة على المسلمين حيث اجتمع رأي الفرنج على الرحيل من عكا إلى مصر، والاجتهاد في تملكها، فأقلعوا في البحر، وأرسوا على دمياط، في يوم الثلاثاء رابع شهر ربيع الأول على بر جيزة دمياط، وصار الفرنج في غربي النيل، فأحاطوا على معسكرهم خندقا، وبنوا بدائره سورا، وأخذوا في محاربة أهل دمياط، وعملوا آلات ومرمات، وأبراجا متحركة يزحفون بها في المراكب إلى برج السلسلة ليملكوه، حتى يتمكنوا من البلد، فخرج الكامل بمن بقي عنده من العسكر، لخمس خلون من ربيع الأول، وسير البعوث ليمنع الفرنج من العبور، وألح الفرنج في مقاتلة أهل البرج الذي على النيل حيث كانت السلاسل تمنع سفنهم من دخوله، فلم يظفروا بشيء، وكسرت مرماتهم وآلاتهم، وتمادى الأمر على ذلك أربعة أشهر، هذا والملك العادل يجهز عساكر الشام شيئا بعد شيء إلى دمياط، حتى صار عند الكامل من المقاتلة ما لا يكاد ينحصر عدده، هذا والعادل بمرج الصفر، فبينا هو في الاهتمام بأمر الفرنج، إذ ورد عليه الخبر بأخذ الفرنج برج السلسلة بدمياط، فمرض من ساعته، فرحل من المرج إلى عالقين، وقد اشتد مرضه، فمات في سابع جمادى الآخرة يوم الخميس، وكان الفرنج قد استولوا على برج السلسلة، وقطعوا السلاسل المتصلة به، لتعبر مراكبهم في بحر النيل، ويتمكنوا من أرض مصر، فنصب الملك الكامل عوضا من السلاسل جسرا عظيما، يمنع الفرنج من عبور النيل، فقاتل الفرنج عليه قتالا كثيرا حتى قطعوه، فأمر الكامل بتغريق عدة من المراكب في النيل، منعت الفرنج من سلوكه، فعدل الفرنج إلى خليج كان النيل يجري فيه قديما، فحفروه حفرا عميقا، وأجروا فيه الماء إلى البحر الملح، فجرت سفنهم فيه إلى ناحية بورة على أرض جيزة دمياط، تجاه المنزلة التي فيها الكامل، ليقاتلوه من هناك، فلما استقروا في بورة حاذوه، وقاتلوه في الماء، وزحفوا إليه غير مرة، فلم ينالوا منه غرضا طائلا، ولم يضر أهل دمياط ذلك، هذا والعربان تخطف الفرنج في كل ليلة، بحيث منعهم ذلك من الرقاد، خوفا من غاراتهم، وأدرك الناس الشتاء، فهاج البحر على معسكر المسلمين، وغرق الخيم، فعظم البلاء، واشتد الكرب، وألح الفرنج في القتال، ولم يبق إلا أن يملكوا البلاد، فأرسل الله سبحانه ريحا قطعت مراسي مرمة كانت للفرنج من عجائب الدنيا، فمرت تلك المرمة إلى البر الذي فيه المسلمون فملكوها، وبعث السلطان إلى الآفاق سبعين رسولا، يستنجد أهل الإسلام على قتال الفرنج، فقدمت النجدات من حماة وحلب، إلا أنه لما قدم على المعسكر موت العادل وقع الطمع في الملك الكامل، وثار العرب بنواحي أرض مصر، وكثر خلافهم واشتد ضررهم، وصار من الخلاف ما حرض الفرنج على التحرك، فبادر الفرنج عند ذلك، وعبروا بر دمياط وهم آمنون، من غير منازع ولا مدافع، وأخذوا كل ما كان في معسكر المسلمين، وكان شيئا لا يقدر قدره، وذلك لبضع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، فكان نزول الفرنج قبالة دمياط في يوم الثلاثاء ثاني شهر ربيع الأول، ونزولهم في البر الشرقي " حيث مدينة دمياط " يوم الثلاثاء سادس ذي القعدة سنة ست عشرة، فتزلزل الملك الكامل، وهم بمفارقة أرض مصر، ثم تثبت، فتلاحق به العسكر.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً