خرج الأمير عبد الله إلى بلاي من عمل قبرة، وبها عدو الله ابن حفصون مع جماعة كبيرة من أصحابه أهل الفساد والارتداد. وكانوا قد أضروا بأقاليم قرطبة، وضيقوا عليهم حتى أغاروا على أغنام قرطبة. فخرج إليهم الأمير مستهل صفر، واحتل به؛ فناهضه وصادقه القتال؛ فانهزم هو ومن معه، ولجأ إلى حصنه مع ملأ من أصحابه، وعوجل عشيره عن الدخول معه، واتبعوا؛ فلم يخلص منهم أحد. فبات الأمير قرير عين، والمسلمون كذلك، وقد أخذوا عليه تلك الليلة الباب رجاء أن يأتي الصباح، فيؤخذ داخل الحصن. ثم خرج منه مع بعض أصحابه، ونجا ونجوا. ولما أصبح، أعلم السلطان بخبره؛ فأرسل الخيل في أثره؛ فلم يعلم له خبر. ودخل الأمير الحصن يوما آخر؛ فوجده مترعا بالذخر، ملآن من العدد؛ وكان عدد عسكر الأمير ثمانية عشر ألف فارس. وقيل إن ابن حفصون ألب أهل حصون الأندلس كلها، وأقبل إليه في ثلاثين ألفا. ووقعت الحرب بينهم؛ فانهزم عدو الله، وقتل أكثر من كان معه. ودخلت جملة منهم في محلة الأمير؛ فأمر بالتقاطهم؛ فأتى بألف رجل منهم؛ فقتلوا صبرا بين يديه، ثم قصد الأمير إستجة؛ فنازلهم؛ وحاربهم، وقتل لهم عددا كثيرا. فلما أخذهم الجهد، رفعوا الأطفال على الأيدي في الأسوار، مستصرخين، ضارعين، راغبين في العفو؛ فعفا عنهم
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً