إن نوروز وشيخ كانا مشتركان في العصيان على السلطان فرج حتى تم لهما التغلب عليه وقاما بسلطنة الخليفة المستعين بالله ثم فوض أمير المؤمنين الخليفة المستعين بالله إلى الأمير نوروز كفالة الشام جميعه دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزة، وجعل له أن يعين الأمريات والإقطاعات لمن يريده ويختاره، وأن يولي نواب القلاع الشامية والسواحل وغيرها لمن أراد من غير مراجعة في ذلك، غير أنه يطالع الخليفة، ثم إن شيخ استطاع أن يتسلطن ويخلع الخليفة من السلطنة فهذا ما أثار حفيظة نوروز الذي استدعى جميع النواب بالبلاد الشامية، فخرج الأمير نوروز إلى ملاقاتهم، والتقاهم وأكرمهم، وعاد بهم إلى دمشق، وجمع القضاة والأعيان، واستفتاهم في سلطنة الملك المؤيد وحبسه للخليفة وما أشبه ذلك، فلم يتكلم أحد بشيء، وانفض المجلس، بغير طائل، وأخذ الأمير نوروز في تقوية أموره واستعداده لقتال الملك المؤيد شيخ، وطلب التركمان، وأكثر من استخدام المماليك وما أشبه ذلك، وبلغ الملك المؤيد شيخاً ذلك فخلع في ثالث ذي الحجة من السنة على الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش المدعو سيدي الكبير باستقراره في نيابة دمشق عوضاً عن الأمير نوروز الحافظي، وأما قرقماس سيدي الكبير فانه وصل إلى غزة، وسار منها في تاسع صفر وتوجه إلى صفد واجتمع بأخيه تغري بردي سيدي الصغير، وخرج في أثرهما الأمير ألطنبغا العثماني نائب غزة، والجميع متوجهون لقتال الأمير نوروز - وقد خرج نوروز إلى جهة حلب - ليأخذوا دمشق في غيبة الأمير نوروز، فبلغهم عود نوزوز من حلب إلى دمشق، فأقاموا بالرملة، ولما بلغ نوروز قدوم قرقماس بمن معه إلى الرملة سار لحربه، وخرج من دمشق بعساكره، فلما بلغ قرقماس وأخاه ذلك عادا بمن معهما إلى جهة الديار المصرية عجزاً عن مقاومته حتى نزلا بالصالحية، ثم إن السلطان جهز جيشا وسيره إلى الشام للقاء نوروز ثم في شهر صفر في ثامنه من السنة ٨١٧هـ نزل السلطان شيخ على قبة يلبغا - خارج دمشق - وقد استعد نوروز وحصن القلعة والمدينة، فأقام السلطان أياماً، ثم رحل ونزل بطرف القبيبات، وكان السلطان - من الخربة - قد بعث قاضي القضاة مجد الدين سالم الحنبلي إلى الأمير نوروز ومعه قرا أول المؤيدي في طلب الصلح، فامتنع من ذلك، ووقعت الحرب، فانهزم نوروز، وامتنع بالقلعة في سادس عشرينه ونزل السلطان بالميدان، وحاصر القلعة، ورمى عليها بالمكاحل، والمدافع والمنجنيق، حتى بعث نوروز بالأمير قمش الأمان، فأجيب، ونزل من القلعة، ومعه الأمراء طوخ، ويشبك بن أزدمر، وسدن كستا، وقمش، وبرسبغا، وأينال، فقبض عليهم جميعاً في حادي عشرين شهر ربيع الآخر وقتل من ليلته، وحملت رأسه على يد الأمير جرباش إلى القاهرة، وعلى يده كتب البشارة، وذلك أن الأمير كزل نائب طرابلس قدم في العشر الأخير من صفر، وقاتل عسكر نوروز، فركب السلطان بمن معه، فانهزم النوروزية إلى القلعة، وملك السلطان المدينة، ونزل بالإسطبل ودار السعادة، وحصر القلعة، وفي يوم الخميس مستهل جمادى الأولى قدم رأس نوروز، فعلق على باب القلعة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً