تعذرت الأقوات بديار مصر، وتزايدت الأسعار، وعظم الغلاء حتى أكل الناس الميتات، وأكل بعضهم بعضاً، وتبع ذلك فناء عظيم، وابتدأ الغلاء من أول العام، وتمادى الحال ثلاث سنين متوالية، لا يمد النيل فيها إلا مداً يسيراً، حتى عدمت الأقوات، وخرج من مصر عالم كبير بأهليهم وأولادهم إلى الشام، فماتوا في الطرقات جوعاً، وشنع الموت في الأغنياء والفقراء، وأكلت الكلاب بأسرها، وأكل من الأطفال خلق كثير، ثم صار الناس يحتال بعضهم على بعض، ويؤخذ من قدر عليه فيؤكل، وإذا غلب القوي ضعيفاً ذبحه وأكله، وفقد كثير من الأطباء لكثرة من كان يستدعيهم إلى المرضى، فإذا صار الطبيب إلى داره ذبحه وأكله، وخلت مدينة القاهرة ومصر أكثر أهلها، وصار من يموت لا يجد من يواريه، فيصير عدة أشهر حتى يؤكل أو يبلى، واتفق أن النيل توقف عن الزيادة في سنة ست وتسعين، فخاف الناس، وقدم إلى القاهرة ومصر من أهل القرى خلق كثير، فإنهم لم يجدوا شيئاً من القوت، لا الحبوب ولا الخضروات وكان الناس قد فنوا بحيث بقي من أهل القرية الذين كانوا خمسمائة نفر إما نفران أو ثلاثة، فلم تجد الجسور من يقوم بها، ولا القرى من يعمل مصالحها، وعدمت الأبقار وجافت الطرقات بمصر والقاهرة وقراهما، ثم أكلت الدودة ما زرع، فلم يوجد من التقاوى ولا من العقر ما يمكن به رده، ولم يبق بمصر عامر إلا شط النيل، وكانت أهل القرى تخرج للحرث فيموت الرجل وهو ماسك المحراث، ثم وقع في بني عنزة بأرض الشراة، بين الحجاز واليمن، وباء عظيم، وكانوا يسكنون في عشرين قرية، فوقع الوباء في ثماني عشرة قرية، فلم يبق منهم أحد، وكان الإنسان إذا قرب من تلك القرى يموت ساعة ما يقاربها، فتحاماها الناس، وبقيت إبلهم وأغنامهم لا مانع لها، وأما القريتان الأخريان فلم يمت فيهما أحد، ولا أحسوا بشيء مما كان فيه أولئك.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً