على الرغم من توقيع اتفاقية في الجزائر في ٢٣ صفر ١٣٩٥هـ / ٦ آذار ١٩٧٥م بين العراق وإيران بشأن الحدود بينهما وخاصة شط العرب، ولكن العراق لم تكن مقتنعة بذلك إذ تنازلت عن السيطرة التامة على الشط لذا أرادت استرجاع هذا الممر المائي العظيم فبدأت بالحديث عن ضرورة انسحاب إيران من جزيرتي أبو موسى وطنب الكبرى اللتين احتلتهما عام ١٣٩١هـ وطالبت بمنطقة عربستان (الأهواز أو خوزستان) الغنية بالنفط كما أخذت العراق تتخوف من الثورة الإسلامية في إيران ومن تحرك الشيعة في العراق، فبدأت الحرب في الثالث عشر من ذي القعدة عام ١٤٠٠هـ / ٢٢ أيلول ١٩٨٠م باندفاع القوات العراقية داخل إيران بحجة أن اتفاقية الجزائر تطالب الطرفين بالانسحاب من المناطق المحتلة من أرض الطرف الآخر غير أن إيران لم تنسحب من منطقة زين القوس وتتجاهل مطالبة العراق لها بالانسحاب، ثم قامت إيران بهجوم معاكس في جمادى الأولى عام ١٤٠٢هـ / آذار ١٩٨٢م وتمكنت من استعادة مدينة المحمرة (خرمشهر) بعد ما يقرب من شهرين من بدء الهجوم، ثم اشتدت المعارضة الداخلية من عدة أطراف من إسلاميين وشيعة وحزبيين موالين لسوريا وأكراد ولكن الرئيس صدام لم يأبه للمعارضين، فهاجم هو أيضا ناقلات النفط في شهر شوال من عام ١٤٠٢هـ / آب ١٩٨٢م في محاولة للضغط على إيران للصلح وإيقاف مساعدتها للأكراد، وشنت إيران هجوما من الجبهة الشمالية واستطاعت احتلال ما يقرب من سبعمائة كيلومترا مربعا وزادت العراق من الهجمات الصاروخية والغارات الجوية ضد المدن والمنشآت النفطية في جزيرة خرج، وهددت إيران بإغلاق مضيق هرمز حتى يتم حجز الخليج عن الاتصال ببقية البحار، وحاولت أمريكا ومصر وسوريا والسعودية التوسط ليتم التفاوض بين العراق وإيران إلا أن إيران رفضت إلا بتنحية صدام عن الحكم وانسحاب القوات العراقية من المناطق التي دخلتها ودفع العراق تعويضات عن خسائر إيران في هذه الحرب، وحرصت كل دولة على التسلح بأحدث الأسلحة وأمدت مصر العراق بمعدات عسكرية تقارب ملياري دولار وباعت الصين للعراق أسلحة بما يقارب الثلاثة مليارات دولار وزودت أمريكا العراق بطائرات مروحية ومعدات ثقيلة مع تصريحها بالحياد، وزودت روسيا العراق بالأسلحة والصواريخ مع إعلانها هي الأخرى الحياد، وباعت الكويت والسعودية ربع مليون برميل من النفط يوميا من المنطقة المحايدة لصالح العراق، أما إيران فاشترت من الصين أسلحة بقيمة ٥٧٥ مليون دولار واشترت من البرازيل وتشيلي، وزودتها أمريكا وروسيا أيضا بالأسلحة وهاتان الدولتان من صالحهما بقاء الحرب ومن أهم المصالح بيع الأسلحة وغيرها من المصالح الأخرى في المنطقة التي يريدون أن تبقى غير مستقرة دائما، ثم حشدت إيران نصف مليون مقاتل قرب شط العرب وأنشأت العراق السدود والحواجز أمام الهجوم الإيراني وقامت بضرب الناقلات الكويتية والسعودية وموانئ الدولتين النفطية، واستأنف العراق الهجوم على ناقلات النفط الإيرانية، وفي جمادى الآخرة ١٤٠٥هـ / آذار ١٩٨٥م حشدت إيران نصف مليون مقاتل على الجبهة الجنوبية شرق نهر دجلة وتمكنت من عبور النهر واتهمت العراق باستعمال الأسلحة الكيماوية وهاجم العراق طهران بالصواريخ وثلاثين مدينة أخرى وردت إيران بالمثل، وزار الأمين العام للامم المتحدة خافير بيريز دي كويلار كلا من طهران وبغداد في محاولة للمفاوضات من جديد وخففت إيران من مطالبها السابقة بتنحية صدام حسين ولكن أصرت على دفع مبلغ ٣٥٠ مليار دولار خسائر حرب، وأمر الرئيس العراقي بوقف الغارات الجوية على إيران ولكن إيران استمرت بالقصف متجاهلة مبادرة العراق هذه، وجرت مناقشات في مجلس الأمن لوقف القتال والهجوم على المدن في رمضان ١٤٠٥هـ / حزيران ١٩٨٥م وكان الرئيس العراقي يعمل على إلزام إيران لقبولها المفاوضات واضطر لسحب ممثلي العراق من طرابلس ليبيا كما طلب من ليبيا سحب ممثليها من بغداد إثر التفاهم الإيراني الليبي وقد كانت العلاقات أصلا منقطعة لتهمة ليبيا أنها تساعد إيران ضد العراق، وفي ٣٠ جمادى الأولى ١٤٠٦هـ / ٩ شباط ١٩٨٦م عبر أربعمائة ألف جندي إيراني شط العرب واحتلوا ميناء نفطيا غير مستعمل في الفاو وفي شهر شوال / حزيران احتلت العراق جزيرة خرك الإيرانية وفي مطلع عام ١٤٠٧هـ / أيلول ١٩٨٦م دمرت العراق ناقلات النفط في جزيرة لافان وهاجمت جزيرة لارك وتقدمت إيران إلى البصرة، ثم أخذت التهديدات العسكرية الإيرانية تقل فركزت العراق على الأكراد، وفي ٨ جمادى الأولى ١٤٠٧هـ / ٨ كانون الثاني ١٩٨٧م قامت فرقة إيرانية تحمل اسم كربلاء ٥ بهجوم نحو البصرة ولكنها تكبدت خسائر جسيمة ثم أعقبها هجمات أخرى على طول الحدود مع العراق الذي طلب إنهاء الحرب وإجراء مفاوضات للسلام غير أن إيران رفضت ذلك، وحاول العراق أن يوقف القصف على المدن عسى يلين الموقف الإيراني لكن دون جدوى بل تقدمت بعض الفرق وتوغلت في الشمال وشرق البصرة فاستأنف العراق القصف، وفي ٢٧ محرم ١٤٠٨هـ / ٢٠ أيلول ١٩٨٧م عقد مؤتمر عربي في تونس لقطع العلاقات مع إيران غير أن سوريا رفضت بحجة أن العلاقات بينهما وثيقة وعقد مؤتمر آخر في ربيع الأول في عمان يدين إيران في إطالتها الحرب واحتلالها شط العرب وفي ١٠ ربيع الثاني ١٤٠٨هـ / كانون الأول ١٩٨٧م اشترط وزير خارجية إيران أن تقوم العراق بدفع التعويضات ليوافق على قرار مجلس الأمن وأعلن أن وجود السفن التابعة للأمم المتحدة في الخليج من أكبر عوائق حصول السلام، وزادت خسائر الحرب ومنذ مطلع عام ١٤٠٨هـ بدأت إيران تتراجع لصالح العراق وما أن انتصف العام حتى كان العراق قد استعاد كثيرا من أراضيه التي كانت إيران احتلتها واقترحت سوريا الحوار بين دول الخليج العربية وبين إيران لإنهاء القتال ولكن العراق وإيران رفضتا هذه المبادرة، وفي بداية النصف الثاني من عام ١٤٠٨هـ / شباط ١٩٨٨م استأنفت العراق قصف المدن بعد انقطاع أكثر من عام وسبقه استئناف قصف الناقلات وفي رجب من العام نفسه بدأ جيش التحرير الوطني وهو الجناج العسكري لتجمع المقاومة الإيرانية من مجاهدي خلق والمدعوم من العراق ببدء عملياته الهجومية في إقليم عربستان ثم استعادت العراق الفاو في شعبان واتهمت إيران الكويت بأنها سمحت للعراق باستخدام أراضي جزيرة بوبيان وفي شوال استعاد العراق شلمشة جنوب شرق البصرة وفي ذي القعدة / حزيران استعاد العراق جزيرة مجنون وطردت الإيرانيين من مناطق الأكراد، ثم في ذي القعدة ١٤٠٨هـ / ١٣ تموز ١٩٨٨م عبرت القوات العراقية الأراضي الإيرانية في القطاع الأوسط، ثم وفي ذي الحجة وافقت إيران على قرار مجلس الأمن رقم (٥٩٨) دون قيد أو شرط بعد أن ماطلت أكثر من عام، وتقدمت السرايا العراقية داخل إيران قبل عملية انسحاب إيران إلى خلف الحدود ودخلت داخل إيران وفي أواخر شهر ذي الحجة دخلت العراق وإيران في مفاوضات لإنهاء الحرب، وطلب العراق تأخير تنفيذ وقف إطلاق النار حتى تتم المفاوضات المباشرة مع إيران تحت إشراف الأمم المتحدة، وفي ٨ محرم ١٤٠٩هـ / ٢٠ آب ١٩٨٨م توقف إطلاق النار ووضع ٣٥٠ ضابطا من الأمم المتحدة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار وأقر مجلس الشيوخ الأمريكي فرض عقوبة اقتصادية على العراق وامتنعت أمريكا من استيراد النفط العراقي، أما المفاوضات بين العراق وإيران فكانت كل دولة تدعي أن شط العرب من حقها وبدأ الاختلاف على بعض القضايا كتفتيش السفن العراقية في مضيق هرمز ومن بدأ بالحرب وغير ذلك وبقي الخلاف مستحكما إلى صفر ١٤١٠هـ / أيلول ١٩٨٩م ثم في ربيع الثاني / تشرين الثاني وافقت كل من العراق وإيران على تبادل الأسرى. بعد أن دامت الحرب أكثر من ثمان سنوات أنهكت القوى وزعزعت الأمن بين الناس المدنيين.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً