نشوب القتال مع المغول وأمر خوارزم شاه بتحصين بخارى وسمرقند وقفله ليجمع العساكر من الأنحاء لقتال المغول، فلما فرغ من ذلك رحل عائداً إلى خراسان، فعبر جيحون، ونزل بالقرب من بلخ فعسكر هناك، وأما الكفار فإنهم رحلوا بعد أن استعدوا يطلبون ما وراء النهر، فوصلوا إلى بخارى بعد خمسة أشهر من وصول خوارزم شاه، وحصروها، وقاتلوهما ثلاثة أيام قتالاً شديداً متتابعاً، فلم يكن للعسكر الخوارزمي بهم قوة، ففارقوا البلد عائدين إلى خراسان، فلما أصبح أهل البلد وليس عندهم من العسكر أحد ضعفت نفوسهم، فأرسلوا القاضي، وهو بدر الدين قاضي خان، ليطلب الأمان للناس، فأعطوهم الأمان، وكان قد بقي من العسكر طائفة لم يمكنهم الهرب مع أصحابهم، فاعتصموا بالقلعة، فلما أجابهم جنكيزخان إلى الأمان فتحت أبواب المدينة يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة، فدخل الكفار بخارى، ولم يتعرضوا لأحد بل قالوا لهم: كل ما هو للسلطان عندكم من ذخيرة وغيره أخرجوه إلينا، وساعدونا على قتال من بالقلعة؛ وأظهروا عندهم العدل وحسن السيرة، ودخل جنكيزخان بنفسه وأحاط بالقلعة، ونادى في البلد بأن لا يتخلف أحد ومن تخلف قتل، فحضروا جميعهم، فأمرهم بطم الخندق، فطموه بالأخشاب والتراب وغير ذلك، حتى إن الكفار كانوا يأخذون المنابر وربعات القرآن فيلقونهم في الخندق، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وبحق سمى الله نفسه صبوراً حليماً، وإلا كان خسف بهم الأرض عند فعل مثل هذا، ثم تابعوا الزحف إلى القلعة وبها نحو أربع مائة فارس من المسلمين، فبذلوا جهدهم، ومنعوا القلعة اثني عشر يوماً يقاتلون جميع الكفار وأهل البلد، فقتل بعضهم، ولم يزالوا كذلك حتى زحفوا إليهم، ووصل النقابون إلى سور القلعة فنقبوه، واشتد حينئذ القتال، ومن بها من المسلمين يرمون ما يجدون من حجارة ونار وسهام، فغضب اللعين، ورد أصحابه ذلك اليوم، وباكرهم من الغد، فجدوا في القتال، وقد تعب من بالقلعة ونصبوا، وجاءهم ما لا قبل لهم به، فقهرهم الكفار ودخلوا القلعة، وقاتلهم المسلمون الذين فيها حتى قتلوا عن آخرهم، فلما فرغ من القلعة نادى أن يكتب له وجوه الناس ورؤساؤهم، ففعلوا ذلك، فلما عرضوا عليه أمر بإحضارهم فحضروا، فقال: أريد منكم النقرة التي باعكم خوارزم شاه، فإنها لي، ومن أصحابي أخذت، وهي عندكم، فأحضر كل من كان عنده شيء منها بين يديه، ثم أمرهم بالخروج من البلد، فخرجوا من البلد مجردين من أموالهم، ليس مع أحد منه غير ثيابه التي عليه، ودخل الكفار البلد فنهبوه وقتلوا من وجدوا فيه، وأحاط بالمسلمين، فأمر أصحابه أن يقتسموهم، فاقتسموهم، وكان يوماً عظيماً من كثرة البكاء من الرجال والنساء والولدان، وتفرقوا وتمزقوا كل ممزق، واقتسموا النساء أيضاً، وأصبحت بخارى خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس، وارتكبوا من النساء العظيم، والناس ينظرون ويبكون، ولا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم شيئاً مما نزل بهم، فمنهم من لم يرض بذلك، واختار الموت على ذلك فقاتل حتى قتل، ومن استسلم أخذ أسيراً، وألقوا النار في البلد، والمدارس، والمساجد، وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً