كان أول ما حضر إلى الإسكندرية في أول هذه السنة مراكب للإنكليز زعموا أنهم جاؤوا ليحموا الثغر من الفرنسيين فإنهم في طريقهم ولكن أهل الإسكندرية ظنوا أن هذه مخادعة وقالوا هذه بلاد السلطان لا سبيل للإنكليز ولا للفرنسيين عليها، فرحل الإنكليز ومع ذلك لم يفعل أمراء البلد شيئا، أما أهل الإسكندرية فجمعوا العربان وتهيأ الناس لمثل هذا الحدث ثم وصلت مراكب الفرنسيين وطلبوا القنصر وبعض أهالي البلد فلما نزلوا إليهم عوقوهم فلما دخل الليل طلعوا إلى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر ولم يفجأ أهل الثغر صباحا إلا وهم كالجراد المنتشر فلم يستطع أهل الثغر ومن انضم إليهم من العربان فعل شيء أمامهم فانهزموا إلى البيوت والحيطان، فطلبوا الأمان فأمنوهم وطلبوا جمع السلاح من الأهالي ثم سار الفرنسيون إلى البر الغربي ووصلوا دمنهور ورشيد وكان نابليون نشر في أنحاء مصر مع الرسل قبل وصوله إلى كل بلد أنه ما جاء إلى مصر إلى ليخلصهم من ظلم المماليك والأتراك وأنه يحترم الدين والنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن، ثم في شهر صفر التقى العسكر المصري مع الفرنسيين فلم تكن ساعة إلا وانهزم مراد بيك ومن معه وكان هذا في البحر ثم ارتحل الناس إلى بولاق لعمل المتاريس ثم وصل الفرنسيون إلى بر مصر وسكن بونابرت ببيت محمد بيك الألفي بالأزبكية ثم ملكوا مدينة بلبيس بغير مقاومة ولا قتال، ثم عملوا ديوانا من ستة أنفار من النصارى القبط وستة تجار من المسلمين للنظر في قضايا التجار والعامة، أما أهل مصر (القاهرة) فتجمعوا وجمعوا السلاح والفرسان وتجمعوا في الأزهر وعملوا المتاريس ثم وصلت طائفة من الفرنسيين من ناحية المناخلية فاستطاعوا إجلائها من المقاتلين المصريين فخاف الناس وأرجفوا حتى بلغ إلى نهب بيوت النصارى من الشاميين والروم، وأما الفرنسيون فأحضروا آلات الحرب على تلال الرقية والقلعة وبقي الرمي متتابعا بين الجهتين ثم ضرب الفرنسيون بالمدافع وتقصدوا الجامع الأزهر بالضرب وتهدمت كثير من البيوت، ولما تفاقم الأمر ذهب بعض المشايخ إلى كبير الفرنسيين فعاتبهم على التأخير ولكنه رفع الرمي عنهم ثم دخل الفرنسيون المدينة كالسيل المنهمر ولا ممانع لهم ودخلوا الجامع الأزهر وهم راكبون على الخيول وبينهم المشاة وربطوا خيولهم بقبلته وكسروا القناديل والخزانات وداسوا المصاحف بأقدامهم ورموا بالكتب على الأرض وداسوها كذلك وزادوا الأمر بأن تغوطوا وبالوا وشربوا الخمر فيه، ونهبوا الديار بحجة التفتيش.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً