كان تنم قد تغلب على دمشق أيام موت السلطان الظاهر برقوق ثم إن السلطان الناصر فرج أقره وأعطاه نيابة دمشق وأجيز بإخراج من أراد من السجون فأخرج عدة أمراء من السجون وزاد أمره فأراد تملك أكثر من دمشق كحلب وحمص وطرابلس وغيرها، ثم إن أيتمش لما هرب في الفتنة التي حصلت بينه وبين يشبك جاء إلى تنم هذا هو ومن معه من الأمراء ففي خامس ربيع الآخر قدم الأمير أيتمش، ممن معه إلى دمشق، فخرج الأمير تنم إلى لقائه، وبالغ في إكرامه وإكرام من معه، وعظم شأن تنم بقدوم أيتمش عليه، وأطاعه من خالف عليه، وفي ثامنه: قدم عليه كتاب الملك الناصر بمسك أيتمش ومن معه وقدومه إلى مصر، فأحضر الكتاب وحامله إلى عند أيتمش، وأعلمه بذلك، ثم جهز أيتمش وتغري بردي قصادهما إلى نائب حماة، ونائب حلب، بدعواهما إلى ما هم عليه، فأجابا بالسمع والطاعة في خامس عشر جمادى الأولى: ورد الخبر بخروج تنم نائب الشام، وأيتمش، ممن معهما من دمشق إلى جهة غزة، فرسم بالتجهيز للسفر، وفي سابع عشره: اجتمع الأمراء والمماليك بمجلس السلطان، فحثهم على السفر في أول جمادى الآخرة، وأن يخرج ثمانية أمراء من الألوف بألف وخمسمائة من المماليك المشتراوات وخمسمائة من المستخدمين، فاختلف الرأي فمنهم من أجاب، ومنهم من قال لابد من سفر السلطان، وانفضوا على غير شيء، ونفوسهم متغيرة من بعضهم على بعض، ثم وفي شهر رجب، في أوله يوم الجمعة في رابعه: نزل السلطان من القلعة إلى الريدانية ليتوجه إلى قتال أيتمش ونائب الشام، فأقام بمخيمه، وتلاحق به الأمراء، والعساكر، والخليفة، وقضاة القضاة، وفي ثامنه: رحل السلطان ببقية العسكر، وعدة من سار أولاً وثانياً نحو سبعة آلاف فارس وأما تنم نائب الشام، فإنه وجه نائب حلب بعسكره إلى جهة مصر في ثامنه، وخرج في تاسعه ومعه الأمير أيتمش وبقية العساكر، ومن انضم إليهم من التركمان، وخيم على قبة يلبغا خارج دمشق، حتى لحقه بقية العسكر، ومن سار معه من القضاة، وعمل الأمير جركس أبو تنم نائب الغيبة، وفي حادي عشره: رحل الأمير تنم من ظاهر دمشق، وتبعه ابن الطبلاوي في ثاني عشره، وسار نائب طرابلس بعسكره ساقة، ثم إن تنم نزل على الرملة بمن معه، وكان لما قدم عليه من انكسر من عسكره على غزة، شق عليه ذلك، وأراد أن يقبض على بتخاص والمنقار، ففارقاه ولحقا بالسلطان، وأن السلطان بعث إليه من غزة بقاضي القضاة صدر الدين المناوي في يوم الثلاثاء تاسع عشره، ومعه ناصر الدين محمد الرماح أمير أخور، وطغاي تمر مقدم البريدية، وكتب له أماناً، وأنه باق على كفالته بالشام إن أراد ذلك، وكتب إليه الأمراء يقولون له: أنت أبونا وأخونا، وأنت أستاذنا، فإن أردت الشام فهي لك، وإن أردت مصر كنا مماليكك وغلمانك، فصن الدماء، وكان الأمراء والعسكر في غاية الخوف منه لقوته، وكثرة عدده، وتفرقهم، واختلافهم، فسار إليه القاضي وحدثه في الصلح ووعظه، وحذره الشقاق والخروج عن طاعة السلطان، فقال: ليس لي مع السلطان كلام، ولكن يرسل إلى الأمير يشبك وسودون طاز وجركس المصارع، وجماعه عينهم، ويعود الأمير أيتمش كما كان هو وجميع الأمراء الذين معه، فإن فعل ذلك، وإلا فما بيني وبينهم إلا السيف، وثبت على ذلك، فقام القاضي ليخرج، فخرج معه بنفسه إلى خارج الخيمة، وأركبه فرساً في غاية الحسن، وعضده لما ركب، فقدم القاضي يوم الخميس حادي عشرينه ومعه أحد خاصكية السلطان، ممن كان عند تنم، وعوقه نحو أربعة أشهر عن الحضور، وأعاد الجواب فاتفق الجميع على محاربته، فلما كان يوم السبت ثالث عشرينه: ورد الخبر أنه ركب، ممن معه يريد الحرب، فسار السلطان بعساكره من غزة، إلى أن أشرف على الجينين قريب الظهر، فعاين تنم قد صف عساكره، ويقال إنهم خمسة آلاف فارس وستة آلاف راجل، فتقدمت عساكر السلطان إليهم وقاتلوهم، فلم يكن غير يسير حتى انهزمت عساكر تنم، ووقع في الأسر تنم نائب الشام، وأقبغا نائب حلب، ويونس نائب طرابلس، وأحمد ابن الشيخ علي، وفارس حاجب الحجاب وبيغوت، وشادي خجا، وبيرم رأس نوبة أيتمش، وجلبان نائب حلب، ومن أمراء الطبلخاناه والعشرات ما ينيف على مائة أمير، وفر أيتمش، وتغري بردي، ويعقوب شاه، أرغون شاه، وطيفور، في ثلاثة آلاف إلى دمشق ليملكوها، وعندما قبض على تنم كتب إلى دمشق بالنصرة ومسك تنم، فوصل البريد بذلك يوم الثلاثاء سادس عشرينه على نائب الغيبة بدمشق، فنودي بذلك, ثم قدم الأمير أيتمش إلى دمشق يوم الأربعاء سابع عشرينه، فقبض عليه، وعلى تغري بردي، وطيفور، وأقبعا اللكاش، وحبسوا بدار السعادة، ثم مسك بعد يومين أرغون شاه، ويعقوب شاه، وتقدم القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب إلى دمشق، فقدمها في يوم السبت سلخه، دخل السلطان بأمرائه وعساكره إلى قلعة دمشق، فكان يوما مشهوداً وسر الناس به سروراً كبيراً في ليلة الخميس رابعه: رمضان قتل الأمير تنم نائب الشام والأمير يونس الرماح نائب طرابلس بقلعة دمشق خنقاً بعد أن استصفيت أموالهما، ولم يبق لهما شيء، ثم سلما إلى أهلهما، فدفن تنم بتربته بميدان الحصى خارج دمشق، ودفن يونس بالصالحية، فكانت مدة ولاية تنم نيابة الشام سبع سنين وستة أشهر ونصفاً، وولاية يونس طرابلس نحو ست سنين.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً