عبد السلام محمد هارون بن عبدالرزاق ولد في مدينة الإسكندرية في ٢٥ من ذي الحجة ١٣٢٦هـ ونشأ في بيت كريم من بيوت العلم، فجده عضو جماعة كبار العلماء، وأبوه كان يتولى عند وفاته منصب رئيس التفتيش الشرعي في وزارة الحقانية (العدل)، أما جده لأمه فهو الشيخ محمود بن رضوان الجزيري عضو المحكمة العليا. حفظ عبد السلام القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، والتحق بالأزهر سنة ١٣٤٠هـ حيث درس العلوم الدينية والعربية، ثم التحق بتجهيزية دار العلوم بعد اجتيازه مسابقة للالتحاق بها، وكانت هذه التجهيزية تعد الطلبة للالتحاق بمدرسة دار العلوم، وحصل منها على شهادة البكالوريا سنة ١٣٤٧هـ ثم أتم دراسته بدار العلوم العليا، وتخرج فيها سنة ١٣٥١هـ وبعد تخرجه عمل مدرسًا بالتعليم الابتدائي، ثم عُيّن في سنة ١٣٦٥هـ مدرسًا بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وهذه هي المرة الوحيدة في تاريخ الجامعات التي ينتقل فيها مدرس من التعليم الابتدائي إلى السلك الجامعي، بعد أن ذاعت شهرته في تحقيق التراث، ثم عُيّن في سنة ١٣٧٠هـ أستاذا مساعدا بكلية دار العلوم، ثم أصبح أستاذا ورئيسا لقسم النحو بها سنة١٣٧٩هـ ثم دعي مع نخبة من الأساتذة المصريين في سنة ١٣٨٦هـ لإنشاء جامعة الكويت، وتولى هو رئاسة قسم اللغة العربية وقسم الدراسات العليا حتى سنة ١٣٩٤هـ، وفي أثناء ذلك اختير عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة ١٣٨٩هـ. وبدأ عبد السلام هارون نشاطه العلمي منذ وقت مبكر، فحقق وهو في السادسة عشرة من عمره كتاب "متن أبي شجاع" بضبطه وتصحيحه ومراجعته في سنة ١٣٤٤هـ، ثم حقق الجزء الأول من كتاب "خزانة الأدب" للبغدادي سنة ١٣٤٦هـ، ثم أكمل أربعة أجزاء من الخزانة وهو طالب بدار العلوم. ولنبوغه في هذا الفن اختاره الدكتور طه حسين١٣٦٣هـ ليكون عضوًا بلجنة إحياء تراث أبي العلاء المعري، وتدور آثاره العلمية في التحقيق حول العناية بنشر كتب الجاحظ، وإخراج المعاجم اللغوية، والكتب النحوية، وكتب الأدب، والمختارات الشعرية. فأخرج كتاب الحيوان في ثماني مجلدات، وكتاب البيان والتبيين في أربعة أجزاء، وكتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان ورسائل الجاحظ في أربعة أجزاء، وكتاب العثمانية. وأخرج من المعاجم اللغوية: معجم مقاييس اللغة لابن فارس في ستة أجزاء، واشترك مع أحمد عبد الغفور العطّار في تحقيق "صحاح العربية" للجوهري في ستة مجلدات، و"تهذيب الصحاح" للزنجاني في ثلاثة مجلدات، وحقق جزأين من معجم "تهذيب اللغة" للأزهري، وأسند إليه مجمع اللغة العربية الإشراف على طبع "المعجم الوسيط" وحقق من كتب النحو واللغة كتاب سيبويه في خمسة أجزاء، وخزانة الأدب للبغدادي في ثلاثة عشر مجلدًا، ومجالس ثعلب في جزأين، وأمالي الزجاجي، ومجالس العلماء للزجاجي أيضًا، والاشتقاق لابن دريد. وحقق من كتب الأدب والمختارات الشعرية: الأجمعيات، والمفضليات بالاشتراك مع العلامة أحمد شاكر، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي مع الأستاذ أحمد أمين، وشرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري، والمجلد الخامس عشر من كتاب الأغاني لأبي فرج الأصبهاني. وحقق من كتب التاريخ: جمهرة أنساب العرب لابن حزم، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم، وكان من نتيجة معاناته وتجاربه في التعامل مع النصوص المخطوطة ونشرها أن نشر كتابًا في فن التحقيق بعنوان:"تحقيق النصوص ونشرها" سنة ١٣٧٤هـ، فكان أول كتاب عربي في هذا الفن يوضح مناهجه ويعالج مشكلاته، أما عن مؤلفاته فله: الأساليب الإنشائية في النحو العربي، والميسر والأزلام، والتراث العربي، وحول ديوان البحتري، وتحقيقات وتنبيهات في معجم لسان العرب، وقواعد الإملاء، وكناشة النوادر، ومعجم شواهد العربية، ومعجم مقيدات ابن خلكان. وعمد إلى بعض الكتب الأصول فهذّبها ويسرها، من ذلك: تهذيب سيرة ابن هشام، وتهذيب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، والألف المختارة من صحيح البخاري، كما صنع فهارس لمعجم تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري في مجلد ضخم. وخلاصة القول أن ما أخرجه للناس من آثار سواء أكانت من تحقيقه أو من تأليفه تجاوزت ١١٥ كتابًا، وقد حصل عبد السلام هارون على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي سنة ١٤٠٢هـ، وانتخبه مجلس مجمع اللغة العربية أمينا عاما له في ٣ من ربيع الآخر ١٤٠٤هـ، واختاره مجمع اللغة العربية الأردني عضو شرف به. وإلى جانب نشاطه في عالم التحقيق كان الأستاذ عبد السلام هارون أستاذًا جامعيا متمكنًا، تعرفه الجامعات العربية أستاذًا محاضرًا ومشرفًا ومناقشا لكثير من الرسائل العلمية التي تزيد عن ٨٠ رسالة للماجستير والدكتوراه. توفي عبد السلام هارون في ٢٨ من شعبان ١٤٠٨هـ وبعد وفاته أصدرت جامعة الكويت كتابًا عنه بعنوان: الأستاذ عبد السلام هارون معلمًا ومؤلفًا ومحققًا.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً