خرج المجوس كما سماهم الأندلسيون وهم النرماند أو الفايكونغ في نحو ثمانين مركبا، كأنما ملأت البحر طيرا جونا؛ كما ملأت القلوب شجوا وشجونا. فحلوا بأشبونة؛ ثم أقبلوا إلى قادس، إلى شذونة؛ ثم قدموا على إشبيلية؛ فاحتلوا بها احتلالا، ونازلوها نزالا، إلى أن دخلوها قسرا، واستأصلوا أهلها قتلا وأسرا. فبقوا بها سبعة أيام، يسقون أهلها كأس الحمام. واتصل الخبر بالأمير عبد الرحمن؛ فقدم على الخيل عيسى بن شهيد الحاجب، وتوجه بالخيل عبد الله ابن كليب وابن رستم وغيرهما من القواد واحتل بالشرف. وكتب إلى عمال الكور في استنفار الناس؛ فحلوا بقرطبة، ونفر بهم نصر الفتى. وتوافت للمجوس مراكب على مراكب، وجعلوا يقتلون الرجال، ويسبون النساء، ويأخذون الصبيان، وذلك بطول ثلاثة عشر يوما، وكانت بينهم وبين المسلمين ملاحم. ثم نهضوا إلى قبطيل؛ فأقاموا بها ثلاثة أيام، ودخلوا قورة، على اثني عشر ميلا من إشبيلية؛ فقتلوا من المسلمين عددا كثيرا؛ ثم دخلوا إلى طليلطة، على ميلين من إشبيلية؛ فنزلوها ليلا، وظهروا بالغداة بموضع يعرف بالنخارين؛ ثم مضوا بمراكبهم، واعتركوا مع المسلمين. فانهزم المسلمون، وقتل منهم ما لا يحصى. ثم عادوا إلى مراكبهم. ثم نهضوا إلى شذونة، ومنها إلى قادس، وذلك بعد أن وجه الأمير عبد الرحمن قواده؛ فدافعهم ودافعوه؛ ونصبت المجانيق عليهم، وتوافت الأمداد من قرطبة إليهم. فانهزم المجوس وقتل منهم نحو من خمسمائة علج؛ وأصيبت لهم أربعة مراكب بما فيها؛ فأمر ابن رستم بإحراقها وبيع ما فيها من الفيء. ثم كانت الوقعة عليهم بقرية طليلطة يوم الثلاثاء لخمس بقين من صفر من السنة، قتل فيها منهم خلق كثير، وأحرق من مراكبهم ثلاثون مركبا. وعلق من المجوس بإشبيلية عدد كثير، ورفع منهم في جذوع النخل التي كانت بها. وركب سائرهم مراكبهم، وساروا إلى لبلة؛ ثم توجهوا منها إلى الأشنونة؛ فانقطع خبرهم. ولما قتل الله أميرهم، وأفنى عديدهم، وفتح فيهم، خرجت الكتب إلى الآفاق بخبرهم. وكتب الأمير عبد الرحمن إلى من بطنجة من صنهاجة، يعلمهم بما كان من صنع الله في المجوس، وبما أنزل فيهم من النقمة والهلكة؛ وبعث إليهم برأس أميرهم وبمائتي رأس من أنجادهم.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً