في أوائل شوال، حصر جلال الدين خوارزم شاه مدينة خلاط، وهي للملك الأشرف، وبها عسكره، فامتنعوا بها، وأعانهم أهل البلد خوفاً من جلال الدين لسوء سيرته، وأسرفوا في الشتم والسفه، فأخذه اللجاج معهم، وأقام عليهم جميع الشتاء محاصراً، وفرق كثيراً من عساكره في القرى والبلاد القريبة من شدة البرد وكثرة الثلج، فإن خلاط من أشد البلاد برداً وأكثرها ثلجاً، وأبان جلال الدين عن عزم قوي، وصبر تحار العقول منه، ونصب عليها عدة مجانيق، ولم يزل يرميها بالحجارة حتى خربت بعض سورها، فأعاد أهل البلد عمارته، ولم يزل مصابرهم وملازمهم إلى أواخر جمادى الأولى من سنة سبع وعشرين، فزحف إليها زحفاً متتابعاً وملكها عنوة وقهراً يوم الأحد الثامن والعشرين من جمادى الأولى، سلمها إليه بعض الأمراء غدراً، فلما ملك البلد صعد من فيه من الأمراء إلى القلعة التي لها وامتنعوا بها، وهو منازلهم، ووضع السيف في أهل البلد، وقتل من وجد به منهم، وكانوا قد قلوا، فإن بعضهم فارقوه خوفاً، وبعضهم خرج منه من شدة الجوع، وبعضهم مات من القلة وعدم القوت، ولم يملك من البلاد خلاط غيرها، وما سواها من البلاد لم يكونوا ملكوه، وخربوا خلاط، وأكثروا القتل فيها، ومن سلم هرب في البلاد، وسبوا الحريم، واسترقوا الأولاد، وباعوا الجميع، فتمزقوا كل ممزق، وتفرقوا في البلاد، ونهبوا الأموال، وجرى على أهلها ما لم يسمع بمثله أحد، لا جرم لم يمهله الله تعالى.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً