ثم وقع الطلب على الأمراء الذين كانوا مع بيدرا في قتل الأشرف، فأول من وجد منهم الأمير سيف الدين بهادر رأس نوبة، والأمير جمال الدين أقش الموصلي الحاجب، فضربت أعناقهما وأحرقت أبدانهما في المجاير ثامن يوم سلطنة الناصر، ثم أخذ بعدهما سبعة أمراء: وهم حسام الدين طرنطاي الساقي، ونوغاي السلاح دار، وسيف الدين الناق الساقي السلاح دار، وسيف الدين أروس الحسامي السلاح دار، وعلاء الدين ألطبغا الجمدار، وأقسنقر الحسامي، وناصر الدين محمد بن خوجا ثم قبض على قوش قرا السلاح دار، وذلك في العشرين من المحرم فسجنوا بخزانة البنود من القاهرة، وتولى بيبرس الجاشنكير عقوبتهم ليقروا على من كان معهم، ثم أخرجوا يوم الاثنين ثامن عشره، وقطعت أيديهم بالساطور على قرم خشب بباب القلعة، وسمروا على الجمال وأيديهم معلقة، وشقوا بهم - ورأس بيدرا على رمح قدامهم - القاهرة ومصر، واجتمع لرؤيتهم من العالم ما لا يمكن حصره، بحيث كادت القاهرة ومصر أن تنهبا، ومروا بهم على أبواب دورهم، فلما جازوا على دار علاء الدين الطنبغا خرجت جواريه حاسرات يلطمن، ومعهن أولاده وغلمانه قد شقوا الثياب وعظم صياحهم، وكانت زوجته بأعلى الدار، فألقت نفسها لتقع عليه فأمسكنها جواريها، وهي تقول، ليتني فداك، وقطعت شعرها ورمته عليه فتهالك الناس من كثرة البكاء رحمة لهم واستمروا على ذلك أياماً: فمنهم من مات على ظهور الجمال، ومنهم من فكت مساميره وحمل إلى أهله ثم أخذ مرة ثانية وأعيد تسميره فمات، هذا وجواري الملك الأشرف وسيال حواشيه قد لبسن الحداد وتذرعن السخام، وطفن في الشوارع بالنواحات يقمن المأتم، فلم ير بمصر أشنع من تلك الأيام، ثم أخذ بعد ذلك الأمير سيف الدين قجقار الساقي فشنق بسوق الخيل، ولم يوقف لقراسنقر ولا للاجين على خبر ألبتة، ثم في أواخر رمضان ظهر الأمير حسام الدين لاجين، فاعتذر له عند السلطان فقبله وخلع عليه وأكرمه، وأنه لم يكن قتله باختياره.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً