[خلع السلطان بيبرس الجاشنكيري وعودة السلطان الناصر قلاوون إلى الملك.]
العام الهجري:٧٠٩
الشهر القمري:رمضان
العام الميلادي:١٣١٠
تفاصيل الحدث:
لم يكتف بيبرس الجاشنكيري بملك مصر بل ذهب يطلب من الملك الناصر المخلوع ما بيده في الكرك وذلك بتحريض وتخويف الأمراء له من الناصر فأصبح يريد أن يجرد الناصر من كل شيء فكان هذا من أسباب عودة الناصر لطلب الملك، حيث حبس الناصر مغلطاي رسول بيبرس المظفر الذي جاء لأخذ باقي أموال ومماليك الناصر من الكرك فخاف بيبرس المظفر من ذلك، واشتهر بالديار المصرية حركة الملك الناصر محمد وخروجه من الكرك، فماجت الناس، وتحرك الأمير نوغاي القبجاقي، وكان شجاعاً مقداماً حاد المزاج قوي النفس، وكان من ألزام الأمير سلار النائب، وتواعد مع جماعة من المماليك السلطانية أن يهجم بهم على السلطان الملك المظفر إذا ركب ويقتله، فلما ركب المظفر ونزل إلى بركة الجب استجمع نوغاي بمن وافقه يريدون الفتك بالمظفر في عوده من البركة؛ وتقرب نوغاي من السلطان قليلاً قليلاً، وقد تغير وجهه وظهر فيه أمارات الشر، ففطن به خواص المظفر وتحلقوا حول المظفر، فلم يجد نوغاي سبيلاً إلى ما عزم عليه، وعاد الملك المظفر إلى القلعة فعرفه ألزامه ما فهموه من نوغاي، وحسنوا له القبض عليه وتقريره على من معه، فاستدعى السلطان الأمير سلار وعرفه الخبر، وكان نوغاي قد باطن سلار بذلك، فحذر سلار الملك المظفر وخوفه عاقبة القبض على نوغاي وأن فيه فساد قلوب جميع الأمراء، وليس الرأي إلا الإغضاء فقط، وقام سلار عنه، فأخذ البرجية بالإغراء بسلار وأنه باطن نوغاي، ومتى لم يقبض عليه فسد الحال، وبلغ نوغاي الحديث، فواعد أصحابه على اللحاق بالملك الناصر، وخرج هو والأمير مغلطاي القازاني الساقي ونحو ستين مملوكاً وقت المغرب عند غلق باب القلعة في ليلة الخميس خامس عشر جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وقيل في أمر نوغاي وهروبه وجه آخر، ثم أرسل خلفهم المظفر بيبرس من يعيدهم ولكن لم يقدروا عليهم وعادوا إلى مصر، أما هؤلاء لما وصلوا إلى الناصر محمد وأعلموه بالأمر قوي في نفسه الرجوع للملك فكاتب النواب فأجابوه بالسمع والطاعة، وأخذ الملك الناصر في تدبير أمره؛ وبينما المظفر في ذلك ورد عليه الخبر من الأفرم بخروج الملك الناصر من الكرك، فقلق المظفر من ذلك وزاد توهمه؛ ونفرت قلوب جماعة من الأمراء والمماليك منه وخشوا على أنفسهم؛ واجتمع كثير من المنصورية والأشرفية والأويراتية وتواعدوا على الحرب، وأما السلطان الملك المظفر بيبرس هذا فإنه أخذ في تجهيز العساكر إلى قتال الملك الناصر محمد حتى تم أمرهم وخرجوا من الديار المصرية في يوم السبت تاسع شهر رجب وعليهم خمسة أمراء من مقدمي الألوف، فلم يكن إلا أيام وورد الخبر ثانياً بمسير الملك الناصر محمد من الكرك إلى نحو دمشق، فتجهز العسكر المذكور في أربعة آلاف فارس وخرجوا من القاهرة في العشرين من شعبان إلى العباسة، ثم إن المظفر أخذ عهدا من الخليفة العباسي بمصر أنه هو السلطان ولكن قدم عليه الخبر في خامس عشرين شعبان باستيلاء الملك الناصر على دمشق بغير قتال فعظم ذلك على الملك المظفر وأظهر الذلة؛ وخرجت عساكر مصر شيئاً بعد شيء تريد الملك الناصر حتى لم يبق عنده بالديار المصرية سوى خواصه من الأمراء والأجناد، فلما كان يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان استدعى الملك المظفر الأمراء كلهم واستشارهم فيما يفعل، فأشار الأمير بيبرس الدوادار المؤرخ والأمير بهادر آص بنزوله عن الملك والإشهاد عليه بذلك كما فعله الملك الناصر، " وتسير إلى الملك الناصر بذلك وتستعطفه، وتخرج إلى إطفيح بمن تثق به، وتقيم هناك حتى يرد جواب الملك الناصر عليك " فأعجبه ذلك، وقام ليجهز أمره، وبعث بالأمير ركن الدين بيبرس الدوادار المذكور إلى الملك الناصر محمد يعرفه بما وقع، وقيل إنه كتب إلى الملك الناصر يقول مع غير بيبرس الدوادار:" والذي أعرفك به أني قد رجعت أقلدك بغيك؛ فإن حبستني عددت ذلك خلوة، وإن نفيتني عددت ذلك سياحة، وإن قتلتني كان ذلك لي شهادة " فلما سمع الملك الناصر ذلك، عين له صهيون ثم اضطربت أحوال المظفر وتحير، وقام ودخل الخزائن، وأخذ من المال والخيل ما أحب، وخرج من يومه من باب الإسطبل في مماليكه وعدتهم سبعمائة مملوك، ومعه من الأمراء عدة، وعلمت العوام بذلك فأخذوا باللحاق بهم وضربهم وفي يوم الجمعة تاسع عشره خطب على منابر القاهرة ومصر باسم الملك الناصر، وأسقط اسم الملك المظفر بيبرس هذا وزال ملكه، وأما الملك المظفر فإنه لما فارق القلعة أقام بإطفيح يومين؛ ثم آتفق رأيه ورأي أيدمر الخطيري وبكتوت الفتاح إلى المسير إلى برقة، وقيل بل إلى أسوان ثم أمر الناصر بإحضاره.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً