للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفتنة بين الأمير الكبير يلبغا الناصري والأمير تمربغا الأفضلي المدعو منطاش.]

العام الهجري:٧٩١

الشهر القمري:شعبان

العام الميلادي:١٣٨٩

تفاصيل الحدث:

استطاع الأمير يلبغا الناصري إزالة ملك السلطان برقوق وكان من أعوانه منطاش الأفضلي ولكن لم يكن ما بينهما صافيا فلما كان سادس عشر شعبان أشيع في القاهرة بتنكر منطاش على الناصري وانقطع منطاش عن الخدمة، وأظهر أنه مريض، ففطن الناصري بأنه يريد أن يعمل مكيدة، فلم ينزل لعيادته وبعث إليه الأمير ألطنبغا الجوباني رأس نوبة كبيراً في يوم الاثنين سادس عشر شعبان المذكور ليعوده في مرضه، فدخل عليه، وسلم عليه، وقضى حق العيادة وهم بالقيام، فقبض عليه منطاش وعلى عشرين من مماليكه، وضرب قرقماس دوادار الجوباني ضرباً مبرحاً، مات منه بعد أيام، ثم ركب منطاش حال مسكه للجوباني في أصحابه إلى باب السلسلة، وأخذ جميع الخيول التي كانت واقفة على باب السلسلة، وأراد اقتحام الباب ليأخذ الناصري على حين غفلة، فلم يتمكن من ذلك وأغلق الباب، ورمى عليه مماليك الناصري من أعلى السور بالنشاب والحجارة، فعاد إلى بيته ومعه الخيول، وتلاحقت المماليك الأشرفية خشداشيته والمماليك الظاهرية بمنطاش، فعظم بهم أمره، وقوي جأشه، وانضمت اليلبغاوية على الناصري، وهم يوم ذاك أكابر الأمراء وغالب العسكر المصري وتجمعت المماليك على منطاش حتى صار في نحو خمسمائة فارس معه، بعدما كان في سبعين فارساً في أول ركوبه، ثم أتاه من العامة عالم كبير، فترامى الفريقان واقتتلا، ونزل الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني والي القاهرة والأمير مأمور حاجب الحجاب من عند الناصري، ونودي في الناس بنهب مماليك منطاش، والقبض على من قدروا عليه منهم، وإحضاره إلى الناصري، فخرج عليهما طائفة من المنطاشية فضربوهما وهزموهما، فعادوا إلى الناصري وسار الوالي إلى القاهرة، وأغلق أبوابها، واشتد الحرب، ثم أتى منطاش طوائف من مماليك الأمراء والبطالة وغيرهم شيئاً بعد شيء، فحسن حاله بهم، واشتد بأسه، وعظمت شوكته بالنسبة لما كان فيه أولاً، لا بالنسبة لحواشي الناصري ومماليكه، هذا وقد انزعج الناصري وقام بنفسه وهيأ أصحابه لقتال منطاش، وندب من أصحابه من أكابر الأمراء جماعة لقتاله، واستمر القتال بينهما وكل ذلك يزداد أمر منطاش بهروب الأمراء الناصرية إليه حتى إن منطاش أمر فنادى بالقاهرة بالأمان والاطمئنان وإبطال المكس والدعاء للأمير الكبير منطاش بالنصر، هذا وقد أخذ أمر الناصري في إدبار، وتوجه جماعة كبيرة من أصحابه إلى منطاش فلما رأى الناصري عسكره في قلة، وقد نفر عنه غالب أصحابه، بعث بالخليفة المتوكل على الله إلى منطاش يسأله في الصلح وإخماد الفتنة فنزل الخليفة إليه وكلمه في ذلك، فقال له منطاش: أنا في طاعة السلطان، وهو أستاذي وابن أستاذي، والأمراء إخوتي، وما غريمي إلا الناصري، لأنه حلف لي وأنا بسيواس ثم بحلب ودمشق أيضاً بأننا نكون شيئاً واحداً، وأن السلطان يحكم في مملكته بما شاء، فلما حصل لنا النصر وصار هو أتابك العساكر، استبد بالأمر، ومنع السلطان من التحكم، وحجر عليه، وقرب خشداشيته اليلبغاوية، وأبعدني أنا وخشداشيتي الأشرفية ثم ما كفاه ذلك حتى بعثني لقتال الفلاحين، وكان الناصري أرسله من جملة الأمراء إلى جهة الشرقية لقتال العربان، لما عظم فساد فلاحيها، ثم قال منطاش: ولم يعطني الناصري شيئاً من المال سوى مائة ألف درهم، وأخذ لنفسه أحسن الإقطاعات وأعطاني أضعفها، والإقطاع الذي قرره لي يعمل في السنة ستمائة ألف درهم، والله ما أرجع عنه حتى أقتله أو يقتلني، ويتسلطن ويستبد بالأمر من غير شريك، فأخذ الخليفة يلاطفه فلم يرجع له وقام الخليفة من عنده وهو مصمم على مقالته، وطلع إلى الناصري وأعاد عليه الجواب، فعند ذلك ركب الناصري بسائر مماليكه وأصحابه، ونزل بجمع كبير لقتال منطاش، وصف عساكره تجاه باب السلسلة وبرز إليه منطاش أيضاً بأصحابه، وتصادما واقتتلا قتالاً شديداً، وثبت كل من الطائفتين ثباتاً عظيماً حتى انكسر الناصري وأصحابه، وطلع إلى باب السلسلة، وندم الناصري على خلع الملك الظاهر برقوق وحبسه لما علم أن الأمر خرج من اليلبغاوية وصار في الأشرفية حيث لا ينفعه الندم، وأما منطاش، فركب في بمن معه بعد أن انهزم الناصري عدة مرات وتركه أكثر أمرائه، وطلع إلى الإسطبل السلطاني وملكه، ووقع النهب فيه، فأخذوا من الخيل والقماش شيئاً كثيراً، وتفرق الزعر والعامة إلى بيوت المنهزمين، فنهبوا وأخذوا ما قدروا عليه، ومنعهم الناس من عدة مواضع، وبات منطاش بالإسطبل، وأصبح من الغد، وهو يوم الخميس تاسع عشر شعبان، وطلع إلى السلطان الملك المنصور حاجي، وأعلمه بأنه في طاعته، وأنه هو أحق بخدمته لكونه من جملة المماليك الذين لأبيه الأشرف شعبان، وأنه يمتثل مرسومه فيما يأمره به، وأنه يريد بما فعله عمارة بيت الملك الأشرف فسر المنصور بذلك هو وجماعة الأشرفية، فإنهم كانوا في غاية ما يكون من الضيق مع اليلبغاوية من مدة سنين.

(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً

<<  <  ج: ص:  >  >>