وإذا ثبت هذا: فمعنى قوله: (التي فرضها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أي: التي قدر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أمره الله به مجملا.
وقوله:«إذا سألها على وجهها.. فليعطها» : إذا أتى المصدق، وطلب الصدقة كما أمره الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. فإنه يعطى.
وأما قوله:«ومن سأل فوقها فلا يعطه» : إن سال فوقها بتأويل، مثل: أن يكون الإمام مالكيا يرى أخذ الكبيرة من الصغار.. فإنه لا يعطى الزيادة، ويعطى الأصل، وإن سأل فوقها بغير تأويل، مثل: أن يسأل عن أربعين شاة شاتين.. فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: لا يعطى شيئا؛ لأنه قد ظهر ظلمه، ودفع الصدقة إلى الظلمة لا يجوز.
ومنهم من قال: يعطى الأصل، ولا يعطى الزيادة؛ لاحتمال أن يكون سها أو نسي، فلا يمنع عن الواجب. قال ابن الصباغ: وهذا أصح. فإن ملك مائة وعشرين من الإبل وجزءا من واحدة.. ففيه وجهان:
أحدهما - وهو قول أبي سعيد الإصطخري -: أنه يجب عليه فيها ثلاث بنات لبون؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا زادت على عشرين ومائة.. ففي كل أربعين بنت لبون» . ولم يفرق بين أن يزيد واحدة، أو أقل.
والثاني - وهو المنصوص -: (أنه لا يجب فيها إلا حقتان) ؛ لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في كتاب الصدقة:«فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين.. ففيها ثلاث بنات لبون» . وهذا نص لا احتمال فيه.
ولأن سائر الأوقاص لا تتغير بأقل من واحد، فكذلك هذا مثله.