وإن استعار أرضا ليبني فيها، أو يغرس.. كان له أن يزرع فيها. وحكى في " المهذب " وجها آخر: أنه إذا استعارها للبناء.. لم يكن له أن يزرع فيها؛ لأن الزراعة فيها ترخي الأرض. وليس بشيء؛ لأن ضرر البناء والغراس في الأرض أكثر من ضرر الزرع، فإذا زرعها.. فقد استوفي بعض ما أذن له فيه، فجاز، وإن استعارها للبناء.. فهل له أن يغرس فيها؟ أو استعارها للغراس.. فهل له أن يبني فيها؟ وجهان:
أحدهما: له ذلك؛ لأن ضررهما فيا لأرض سواء؛ لأن الأرض تحفر لهما، ويراد كل واحد منهما للتأبيد.
والثاني: ليس له ذلك؛ لأن ضررهما يختلف في الأرض؛ لأن ضرر الغراس لانتشار عروقه في باطن الأرض، ولا يمنع من الزراعة في ظاهرها، وضرر البناء في ظاهر الأرض دون باطنها؛ لأنه يكون في موضع واحد، ويمنع الزراعة في الأرض.
[فرع: الرجوع عن الأرض المعارة للبناء]
] : وإن أعاره أرضا ليبني فيها، أو تغرس، فبنى فيها، أو غرس، ثم رجع المعير عن العارية، أو كانت العارية مقدرة بمدة.. فليس للمستعير أن يبني ويغرس فيها بعد الرجوع، ولا بعد انقضاء المدة؛ لأنه إنما ملك ذلك بالإذن، وقد زال الإذن، فإن غرس بعد ذلك.. كان كما لو غصبها، فغرس فيها، أو بنى، على ما سيأتي في (الغصب) وأما ما غرس وبنى قبل الرجوع، وقبل انقضاء المدة.. فهل يلزمه قلعه؟ ينظر فيه:
فإن شرط المعير على المستعير قلع البناء والغراس عند الرجوع، أو عند انقضاء المدة.. لزمه قلعه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمنون على شروطهم» . وإذا قلع.. لم يكن له أن يطالب المعير بما نقص البناء والغراس بالقلع، ولا المعير أن يطالبه بتسوية الأرض من آثار القلع؛ لأن كل واحد منهما قد رضي على نفسه بما يدخل عليه من الضرر بذلك لما شرط القلع.