وأما جنسه: فإن حط عنه بعض مال الكتابة.. أجزأه. وإن أخذ منه مال الكتابة ثم دفع إليه بعض ما أخذ منه.. جاز؛ لأن الله أمر بالإيتاء، وحقيقة الإيتاء تقع على الدفع، والحط أولى من الدفع؛ لأن فيه معنى الإيتاء وزيادة، ولأنه أنفع له من الدفع؛ لأنه لم يتكلف المشقة في تحصيله، ولأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فسروا الإيتاء بالحط على ما تقدم.
فإن كاتبه على دراهم فأعطاه السيد دنانير، أو كاتبه على دنانير فأعطاه السيد دراهم.. لم يجبر العبد على قبوله؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النور: ٣٣] وهذا آتاه من غير المال الذي آتاه.
وإن كاتبه على دراهم فأعطاه السيد دراهم من غير المال الذي أعطاه المكتاب.. فهل يلزم العبد المكاتب قبولها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه قبولها، كما لو أخرج الزكاة من غير المال الذي وجبت فيه الزكاة، إلا أنه من جنسه.
والثاني: لا يلزم قبوله، وهو المذهب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النور: ٣٣] وفسرته الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: بحط بعض مال الكتابة، فدل على أن الإيتاء يختص بنفس مال الكتابة.
[فرع أداء مال الكتابة قبل حلول الأجل]
) : وإن أدى المكاتب جميع مال الكتابة قبل الإيتاء.. عتق ولزم المولى إن يدفع إليه؛ لأن لكل واحد منهما على صاحبه حقًا، فلا يسقط حقه بأداء ما عليه، كما لو كان لكل واحد منهما على الآخر دين فقضى أحدهما صاحبه دينه.
وإن مات المولى قبل الإيتاء.. لم يسقط الإيتاء؛ لأنه حق واجب لآدمي، فلم يسقط بموته، كالدين.
فإن كان ماله يفي يدين ـ إن كان عليه ـ وبالإيتاء.. استوفي ذلك من تركته.
وإن كان عليه دين وأوصى بوصايا، فإن كان ماله يفي بالدين والوصايا والإيتاء.