قال المُزنيُّ: يشبه أن يكون أراد الشافعي ـ لمعرفتي بلفظه ـ: الأعمى الذي عرف الألوان قبل أن يعمى، فأمَّا من خلق أعمى: فلا معرفة له بالأعيان، فهو في معنى من اشترى ما يعرف طعمه ويجهل لونه، فلا يصح.
واختلف أصحابنا في ذلك:
فصوَّب المُزنيَّ أبو العبَّاس، وأبو عليّ بن أبي هريرة، وقالا: لا يصح السلم من الأكمه؛ لأن السلم يقع فيه على مجهول، وذلك لا يجوز.
وقال أبو إسحاق، وعامَّة أصحابنا: أخطأ المُزني، بل يصح السلم من الأكمه؛ لأنه المعتمد فيه على الصفات، والأكمه والأعمى في باب الصفات واحد.
قالوا: ولو لم يجز السلم من الأكمه؛ لأنه لم يشاهد الأعيان والألوان.. لم يجز للبصير أن يسلم في شيء لم يشاهده. ولم يقل أحدٌ: إنه لا يجوز لأهل بغداد أن يسلموا في الموز؛ لأنهم لم يشاهدوه، ولا لأهل خراسان السَّلَم في الرُّطب؛ لأنهم لم يشاهدوه، بل متى عرفوا أوصافه.. جاز السلم عليه وإن لم يشاهدوه، كذلك هذا مثله. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد.
فإذا قلنا بهذا: فإنما يصح السلم منه إذا كان رأس المال موصوفًا في الذمة، ثم يعين في المجلس، ويقبض، وهل يصح قبضه بنفسه، أو يوكِّل من يقبض له؟ فيه وجهان، حكاهما في " العدة ".
فأمَّا إن كان رأس المال مغيَّبًا: فإنه لا يصح السلم فيه ولا عليه؛ لأنه لا يعرفه.
[مسألةٌ: صيغة عقد السلم]
مسألةٌ:[صيغة عقده] : وينعقد السلم بلفظ السلم والسلف، بأن يقول: أسلمت إليك هذا الدينار، أو أسلفتك هذا الدينار بكذا وكذا؛ لأنه قد ثبت لهما عرف الشرع والاستعمال، وهل ينعقد السلم بلفظ البيع، بأن يقول: بعني ثوبًا في ذمتك، من صفته كذا وكذا بهذا الدينار؟ فيه وجهان: