والترجيح من جهة البينة يقدم على الترجيح من جهة اليد.
ومن أصحابنا من قال: يحكم بها لصاحب اليد قولا واحدا، وهو ظاهر المذهب؛ لأنهما متساويان في إثبات الملك في الحال، ولأحدهما مزية في إثبات الملك المتقدم، وللآخر مزية باليد الموجودة، واليد الموجودة أولى من إثبات الملك المتقدم. ألا ترى أنه لو كان في يد رجل عين وادعاها آخر وأقام بينة أنها كانت له منذ سنة.. فإنه لا يحكم له بها؟ فكذلك هذا مثله.
[فرع دابة أو زرع في يد رجل فادعاهما آخران وتقديم بينة الملك على اليد]
وإن كانت دابة في يد رجل، فادعاها رجلان، وأقام أحدهما بينة أنها ملكه في هذه الحال، وأقام الآخر بينة أنها ملكه في هذه الحال وأنها نتجت في ملكه.. فاختلف أصحابنا فيه: فقال أبو العباس: فيه قولان، كما لو شهدت بينة أحدهما بملك متقدم:
أحدهما: أنهما سواء، فتكونان متعارضتين، والحكم في المتعارضتين ما ذكرنا فيما مضى.
والثاني: أن الذي شهدت بينته بالملك المتقدم أولى، فتقدم هاهنا بينة من شهدت له بالنتاج؛ لأن الشهادة بالنتاج كالشهادة بالملك المتقدم.
وقال أبو إسحاق: يحكم بها لمن شهدت البينة له بالنتاج قولا واحدا؛ لأن التي شهدت بالملك المتقدم لا تنفي أن يكون الملك لغيره فيما قبل هذه المدة ويجوز أن يكون الملك فيها لخصمه، والتي شهدت له بالنتاج في ملكه نفت أن يكون الملك فيها لغيره قبل النتاج. وإن ادعيا زرعا في يد غيرهما، فأقام أحدهما بينة أنه ملكه في هذه الحال، وأقام الآخر بينة أنه ملكه في هذه الحال وأنه زرعه في ملكه.. ففيه طريقان، كما قلنا فيمن شهدت له بينة بالملك وشهدت للآخر بينة بالملك والنتاج.